مع ارتفاع نسب العنوسة، قبل البعض تزويج ابنته لمن عرف وتعايش معه من الوافدين، خصوصاً أولئك الذين عاشوا وتربوا وربما ولدوا في المملكة، وأفنوا أعمارهم فيها، فكان بينهم وبين السعوديين صهر ورحم، إلاّ أنّ ذلك خلق مشكلة إنسانية، حيث تُعاني المواطنة المتزوجة من غير سعودي وأبناؤها من بعض العراقيل التي تواجهها، سواء في المراجعات أو في بعض الإجراءات، فحياتها وأبناؤها تشهد حالة من عدم الاستقرار، بل إن هناك العديد من الصعوبات التي تنتظرهم دائماً، ولا أغرب من عدم السماح للزوج الأجنبي من التعريف بزوجته أمام الدوائر الحكومية والشركات، كما أنّه عندما يريد أحد من أبناء المواطنة وظيفة يجب أن يرفق معه أوراق ومستندات هو في غنى عنها، حيث يعدّ الموضوع محيراً بكل تفاصيله، وفي المدارس قد لا تجد قبولاً لأبنائها في مدارس الحي، كما أنّها قد لا تستطيع توفير العلاج لهم، إذ إنّ بعض الجهات ما زالت تصر على معاملتهم ك «أجانب» دون اعتبار لوالدتهم. وعند وفاة الأم لا يتم توريث أبنائها ما تملك من عقارات، وتتسلمها الجهات المختصة التي تبيعها في مزاد علني ويسلم المبلغ للورثة، وبسبب أنّ المهنة في الإقامة «ابن مواطنة» فإنّه عند وفاة الأم على الأبناء البحث عن كفيل لهم! إلى جانب حرمان المواطنة من الضمان الاجتماعي؛ بسبب كفالة أبنائها، كما أنّها لا تستطيع توكيل ابنها ليؤدي أعمالها؛ لأنّه «أجنبي»! وعند مراجعة الأبناء للدوائر الحكومية لا بد من حضور الأم أو عمل وكالة لسعودي، وفي حالة سفرهم فلا بد من عمل تأشيرة خروج وعودة بقيمة (200) ريال للفرد، وأن لا تزيد مدة الخروج والعودة على ستة أشهر، حتى لو كانت الأم في بعثة خارجية والأبناء في مرحلة ما قبل الدراسة، أما في حالة أنّ الأبناء في المرحلة الدراسية فيمكن أخذ مدة عام بعد إعطاء الجوازات ما يثبت أنّهم طلاب، وذلك أسوة بباقي المقيمين. حقوق الإنسان وكانت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان قد تقدمت إلى مجلس الشورى بتقرير بخصوص المشاكل التي تعاني منها السعوديات المتزوجات بغير السعوديين، تم مناقشته في جلسة سابقة – قبل أربعة أعوام -، وتم التوجيه بتكوين لجنة خاصة لإعادة دراسة الموضوع من مختلف جوانبه الشرعية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، حيث كشف التقرير أنّ هناك العديد من المشاكل والمصاعب التي تواجه المواطنة السعودية المتزوجة من غير السعودي، والتي من شأنها الانتقاص من حقوقها وحقوق أبنائها، وورد للجمعية عشرات القضايا المتعلقة بهذا الموضوع، وتم تقسيمه على عدة محاور: الأول يختص بالإقامة، والثاني بالحصول على الجنسية، والمحور الثالث التعليم والرعاية الطبية، أما الرابع فخصص لمستحقات أبناء المواطنة الموظفة -غير السعوديين -، الذين لا يستفيدون من راتبها التقاعدي، على الرغم من أنّ نظام التأمينات الاجتماعية حدد في المادة الثامنة أفراد العائلة الذين يمكن استفادتهم من تقاعد المشترك، وهم «من كان يعولهم»، ولم تحدد جنسيتهم، ولذلك فإنّ زوج المواطنة وأبناءها لا يستفيدون من ملكية البيت الذي اشترته المواطنة عن طريق قرض بنكي بعد وفاتها، حيث يتم بيعه وإعطاؤهم ما سددته المتوفاة، وبالتالي يضيع جهد المواطنة وحرصها على توفير مأوى لأبنائها. وأوصى التقرير بدراسة هذه الملاحظات، والعمل على إدراج نصوص في مشروع نظام زواج السعوديات بغير السعوديين أو زواج السعوديين بغير السعوديات لمعالجتها، وما كان ضمن اختصاص لجان أخرى في المجلس فيحال إليها لدراسته، واتخاذ التوصية اللازمة بشأنه، من أجل المساهمة في حل هذه المشكلة الإنسانية، ورغم كل ما طرأ على الموضوع، إلاّ أنّ المعاناة مستمرة وبقي الوضع على ما هو عليه! توكيل الأبناء دخلت «رجاء» – أم بلال – إلى مقر القسم النسائي بالجريدة تحمل أوراقها التي تشرح همها ولوعتها، وقالت ودموعها تسابق أحرفها: «أنا ابنة هذا الوطن المعطاء، رزقني الله بخمسة أبناء، استطعت ووالدهم أن نربيهم أحسن تربية، حتى صار أحدهم طبيباً، والآخر مهندسا، والثالث إعلاميل، والبقية يواصلون تعليمهم، مشيرة إلى زواجها من مقيم عربي، عاش طيلة حياته في المملكة، وعمل بالمجال الزراعي. ولفتت إلى أنّ قلب الأم لا يقوى على الاقتناع بأنّ ابنها مختلف عنها، حيث إنّها لا تستطيع إكساب أبنائها أو حتى زوجها أيا من مزايا جنسيتها، كسائر الأمهات والزوجات في باقي الدول، فكل ما يحصلون عليه هو رخصة إقامة تطمس فيها مهنهم وتخصصاتهم العلمية والعملية، وتستبدل ب «ابن مواطنة» و»زوج مواطنة»، فيجدون أنفسهم مضطرين في كل مناسبة إلى إخراج بطاقات أخرى تثبت مهنهم وتخصصاتهم، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالسفر وضرورة إثبات المهنة لحضور مؤتمر أو المشاركة في حدث علمي. وأشارت إلى أنّ ما يحز في النفس هو عدم قدرة أولاد المقيم من أم سعودية على متابعة معاملات والدتهم، حيث يصرّ النظام على أن توجد لها وكيلاً سعودياً يراجع نيابةً عنها في الدوائر الحكومية، ويرفض أن توكل أولادها في المراجعات، متسائلةً: «فهل يعقل أن أضع ثقتي في غريب وأولادي حولي؟ وهل هو منطق أن أحرم من معاونتهم لي؟، مضيفةً: «حرصت منذ ولادتهم على أن يتربوا هنا في المملكة، وأن تكون إجازاتهم هنا، حتى انغرس ذلك في أرواحهم، وأثر في انتماءاتهم، ولهجاتهم، وأسلوب حياتهم، كنت أحاول جاهدةً أن أكسبهم جنسيتي معنوياً، عبر ترسيخ وتكريس انتمائهم لبلدي، وكنت كلما أصابهم نوع من التفرقة في مدارسهم أو بين أقرانهم أنسب الخطأ لمن ضايقهم». ابنة وحيدة فيما كشفت «أم فاطمة» عن معاناتها مع ابنتها بعد أن انفصلت عن زوجها المقيم، موضحةً أنّها حصلت على صك إعالة، وكان لديها منذ اللحظة الأولى ما يثبت أنّ ابنتها الوحيدة ولدت في الرياض، إلاّ أنّها دخلت في دوامة تجديد الإقامة وإخراج التصاريح، وعمل تأشيرات الخروج والعودة، حيث كانت مشاوير المعاملات معاناة لشابة مع طفلتها الوحيدة، مضيفةً: «ابنتي الآن متزوجة من سعودي مبتعث خارج المملكة، لكنها لا تزال تحتاج إلى إكمال عشرة أعوام معه، وتحتاج أن تنجب عدداً من الأطفال منه حتى تحصل على الجنسية السعودية! أتذكر كم تعذب معي والدي – رحمه الله – في إعداد أوراق ابنتي، وتنقل بكرسيه المتحرك من إدارة إلى أخرى، لينجز معاملاتها، خاصةً تلك المتعلقة بتأشيرات الخروج والعودة». وأشارت إلى أنّها ربت ابنتها على الانتماء المطلق للمملكة، وحين كانت صغيرة كانت تقف مع السعوديات في فصلها حين يطلب منهن الوقوف، لافتةً إلى أنّها تقدمت بطلبات لاستثنائها، حتى أصدر لها جواز سفر سعودي، ولكن الأمر بات مدعاة لمزيد من الهموم، حين صار يكتب في إقامتها حتى الآن «أجنبية بجواز سعودي»، وترتب على هذا ارتباك إدارات تجديد الإقامة والجوازات، فكلما أردات تجديد الجواز قيل: «جددي الإقامة»، فإذا ذهبت لأجددها قيل: «جددي الجواز أولاً»، مضيفةً: «حين سافرت مع زوجها سحبوا منها الجواز السعودي، وأصدروا لها آخر بجنسية والدها، وقد سبق أن قد دخلت أمريكا بجوازها السعودي، وحين ذهبت لتصدر تأشيرة على جوازها الجديد، طالبوها بالجواز السعودي!»، مستدركةً: «أحب وطني وربيت ابنتي على حب الوطن والانتماء إليه، وانتظر في كل يوم أن يكرمني وطني بشرف تجنيس ابنتي». الفاخري: «حقوق الإنسان» تبنت المشكلة مبكراً أكد "خالد الفاخري" الأمين العام للجمعية الوطنية لحقوق الإنسان حرص الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان على متابعة ملف أبناء المواطنات السعوديات من غير السعوديين، وتبنيها لمشاكلهم منذ وقت مبكر، موضحاً أن الجمعية نسقت مع الجهات ذات العلاقة في هذا الشان، كما تم رفع مقترحات لمجلس الشورى لتعديل الكثير من أوضاعهم، مشيراً على سبيل المثال الى أن الأمهات السعوديات عانين في السابق من اضطرارهن إلى تسجيل أبنائهن على كفالتهن بمهن السائقين والخادمات ليتمكن من الإبقاء عليهم معهن، وحالياً انتهت هذه الحالة تماماً عندما سمح للأبناء أن يتم تسجيلهم كأبناء مواطنة في الإقامات
الخاصة بهم، رفعاً لقدرهم، وإنصافاً لهم ولأمهاتهم، موضحاً أنّ إبقاء هذه الصفة في خانة المهنة في إقامات الأبناء الذين يعملون وما يترتب عليه من ضيق وشكوى فهو أمر يتبع نظام العمل بالمملكة، فإذا ما انتقل الابن ليعمل في أي مهنة فإنّه ونظاماً سينقل كفالته على هذه الجهة، وسيكتب في موقع المهنة مهنته ووظيفته الحالية، مستدركاً: "نتطلع لمعاملتهم في هذه الجزئية كسعوديين بحيث يمكنوا من العمل دون أن يضطروا لنقل كفالتهم، وفي الواقع فإن أبناء السعوديات من غير السعوديين حظوا بعدة حقوق نتطلع للمزيد منها، كالحق في التعليم بمدارس وجامعات المملكة، والحق في العلاج بمستشفيات الدولة، والحق في العمل وفق شروط العمل بوزارة الخدمة المدنية والقطاع الخاص". وأضاف: "تعمل الدولة دائماً على توفير ما تحتاجه هذه القضية بما يكفل لأبناء المواطنات لآباء غير سعوديين أن ينصهروا في المجتمع، ويتفاعلوا معه"، لافتاً إلى أنّه فيما يتعلق بمسألة الجنسية فهي مسألة سيادية في كل دول العالم، ويتم التسهيل لأبناء المواطنات من الذكور للحصول عليها إذا كانت أمهاتهم سعوديات الأصل وغير مجنسات، مؤملاً أن تحظى بنات السعوديات لآباء غير سعوديين بما يحظى به إخوتهن الذكور من فرصة الحصول على الجنسية بنظام النقاط، حيث إنّ النظام حريص على وحدة الأسرة، وسهولة اندماجها في المجتمع، الأمر الذي يخدم كافة الأطراف، ويصب في مصلحة الجميع.