الحب كما الموت، سرٌّ من أسرار الخالق استعصى على المخلوقين فهمه واستيعابه، فلا أحد يمكنه أن يعرف متى يمكن أن يزوره أو يرحل عنه الحب، ولا أحد يمكنه تفسير لماذا أحب هذا الشخص تحديداً من دون الأشخاص الآخرين، لذا بقي سحر الحب دوماً في غموضه. الفلاسفة والكتاب حاولوا كشف هذا الغموض وإيجاد تعاريف للحالة التي تعترينا وتحيلنا من قمة اليأس إلى قمة التمسُّك بالحياة، الحالة التي تجعلنا أكثر تسامحاً وأكثر تقبلاً لصفعات الدهر المتتالية. لذا، كثُرت التعريفات والتحليلات ولكلٍّ منطقه ومدرسته الفكرية التي انطلق منها، إلا أن أجمل تعريف للحب استوفني وأظنه لخَّص الصراع الأزلي الذي يدور في كواليس العلاقات العاطفية "صراع الأخذ مقابل العطاء"، تعريف لطفل لم تتجاوز سنوات عمره السادسة يدعى "كريسي"، عرَّف الحب بأنه "أن تخرج مع أحد وتعطيه معظم البطاطس المغلية الخاصة بك دون أن تلزمه بأن يعطيك البطاطس الخاصة به". اللازم هو أكثر ما شدَّني لهذا التعريف، فبحسب شرعة "كريسي" العشقية أن العطاء لا يقابله إلزام بضرورة الرد، فإن فعل رفيقه وأعطاه يكن أحسن، وإن لم يفعل فلا ينقص ذلك من أمر الحب شيئاً، لأن عطاءه لم يكن مربوطاً بفكرة انتظار الرد بل كان عطاءً بحب. نحن نلج إلى عوام الحب ورؤسنا ممتلئة بفكرة إن أخذت يجب أن تعطي، وأن أي تضحية من المفترض أن تقابلها تضحية من الطرف الآخر، لذا تتحوَّل العلاقات العاطفية لساحة صراع حول مفهوم الأخذ والعطاء، فتصاب أطراف العلاقة بحمى رصد مَنْ أخذ ومَنْ أعطى، ومَنْ لم يأخذ واستمر على الرغم من ذلك في العطاء. ففي لحظة تجد أن العلاقة أصبحت مبنية على فلسفة رصد مواقف الأخذ مقابل العطاء، فيفقد الحب ألقه ووهجه ويتحوَّل إلى علاقة ميكانيكية مبنية على: إن أعطيت أخذت، وإن لم تُعطِ خرجت من دائرة الفعل الحقيقي للحب. علاقات كثيرة انهارت عندما بدأ أطرافها في إخضاع الحب إلى عمليات حسابية يكون فيها منتوج العطاء مساوياً للمدخل "الأخذ"، ويبدأ الحساب على شاكلة: "أنا قدمت ليك تنازلات عديدة فماذا حصلت مقابل هذه التنازلات"، عندها ينتبه الطرف الآخر لشرطية الالزام ويبدأ في رؤية كل العطاء من زاوية أنه، ماهو الا ديون واجبة السداد، فيبدأ المديون في سداد فاتورة ديونه المتراكمة لترميم الشرخ الذي أصاب العلاقة، إلا أن هذا الترميم يكون من قبيل: "من سدَّ دينو نامت عينو"، وليس من قبيل الحب. وتتحول العلاقة لمجرد تصفية مديونيات نكتشف بعد سدادها إننا سددنا الدين وخسرنا الحب. لذا، نجد أن مقولة إنك تأخذ من الحياة بقدر ما تضعه فيها، يصعب إسقاطها على الحب، ففي الحب العطاء غير مشروط بالأخذ، وهذا هو الشيء الذي يميِّز الحب عن باقي العلاقات الإنسانية الأخرى، ففي الحب نستمتع ونتلذذ بفكرة العطاء كقيمة أساسية من قيم الحب. لذا هذه دعوة لإعمال شرعة "كيرسي" ابن السنوات الست، واعتماد تعريفه تعريفاً رسمياً للحب في عيده. ملحوظة في الحب لايكون السؤال الاكثر الما هو من زرف دموعا اكثر ومن زرف دموعا اقل السؤال الموجع حقا لماذا لم تشفع كل هذه الدموع ؟ حاجة أخيرة نتعلم عن الحب اكثر عندما نبدأ في حب الاشخاص اللذين نكرهم.