في هذه الأثناء، رأى "مجلس العلاقات الخارجية" الامريكية، أن مشاركة الرئيس الامريكي باراك اوباما في الاجتماع الرفيع المستوى حول السودان في الأممالمتحدة في 24 سبتمبر/ ايلول الماضي يعكس اهتماما امريكيا استثنائيا بالوضع الامني والسياسي الراهن في الدولة الاكبر مساحة في افريقيا، وأن تركيز الجهود الدبلوماسية الامريكية هناك يأتي في توقيت سوداني حساس حيث يستعد الجنوب لاستفتاء من المرجح ان يفصله عن الشمال في 9 يناير/ كانون الثاني 2011، بموازاة استفتاء آخر حول تبعية منطقة ابيي الغنية بالنفط والمقسمة عرقياً. وحسبما ذكرت صحيفة "السفير" اللبنانية ، اعتبر "المجلس" أن اسلوب اوباما في كيفية الانخراط مع حكومة الخرطوم، يحتاج الى الجمع بين عدة عناصر لادارة الملف السوداني الحالي، منها الحفاظ على الوحدة في التعاطي مع المرحلة الدقيقة في الخرطوم بين واشنطن وأصحاب المصالح في حماية اتفاق السلام الشامل الذي انهى الحرب الاهلية في البلاد. كما يحتاج أوباما إلى محاولة امتصاص التوتر الحاصل نتيجة التشكيك بمصداقية الاستفتاء من جهة والخلاف حول تاريخ اقامته، والذي يرفض الجنوبيون اي تعديل بشأنه، وكذلك وضع القوى الغربية، والامريكيين تحديدا، غطاء عمل للعلاقة مع شمال السودان في مرحلة ما بعد الاستفتاء. كذلك، يفرض ملف تطبيع العلاقات الامريكية السودانية نفسه في الوقت الراهن، فالتحركات الدبلوماسية الامريكية تهدف الآن بحسب "مجلس العلاقات الخارجية" الى وضع معايير واضحة لهذا التطبيع وعواقب عدم الامتثال لشروط هذه العلاقة الثنائية. والمسألة الاكثر حساسية في هذا الصدد هي دعم واشنطن لمذكرة توقيف المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور، اذ اعاد اوباما التأكيد خلال مؤتمر الاممالمتحدة حول السودان انه "من غير الممكن ان يحل سلام دائم في دارفور من دون مساءلة مرتكبي الجرائم". ودعا "مجلس العلاقات الخارجية" المسؤولين الأمريكيين إلى التركيز على كيفية الانخراط مع الخرطوم لأن لأمريكا مصالح سياسية مهمة في السودان خلال الاعوام المقبلة. في غضون ذلك، بدأ وفد من مجلس الأمن الدولي زيارة الى جوبا عاصمة جنوب السودان، امس، للتأكد من حصول الاستفتاء على انفصاله من عدمه في موعده المحدد في يناير المقبل. ووصل الوفد، الذي يضم مندوبي الدول ال15 الاعضاء في المجلس وبينها لبنان، إلى جوبا، ومن ثم إلى إقليم دارفور فالخرطوم حيث سيجري غداً محادثات مع وزير الخارجية السوداني علي كرتي والمستشار الرئاسي غازي صلاح الدين. وقالت مصادر مرافقة للوفد انه سيحاول عدم الاجتماع مع الرئيس عمر البشير، الذي تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية بتهمة "الإبادة وارتكاب جرائم حرب". وقالت مندوبة الولاياتالمتحدة لدى الأممالمتحدة سوزان رايس، بعد اجتماع الوفد مع الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني في قاعدة عسكرية في عنتيبي قبيل انتقاله الى جوبا، إن الهدف الرئيسي للزيارة إلى السودان هي التأكد من عدم وجود أي عوائق بوجه إجراء الاستفتاء في جنوبه، ومعرفة ما يمكن القيام به لوقف تصاعد العنف في إقليم دارفور. وأضافت رايس "الهدف الرئيسي للرحلة هو تأكيد تعهد مجلس الأمن حيال إجراء الاستفتاء في موعده، وأن يمثل شعب جنوب السودان ومنطقة ابيي بطريقة جديرة بالثقة، وأن يتم احترام النتائج". تهديد أمريكي للبشير كانت الولاياتالمتحدة شن في وقت سابق، هجوما عنيفا ضد نظام الرئيس السوداني عمر حسن البشير وذلك على خلفية الاستفتاء المقرر إجراؤه في جنوب السودان بعد حوالي 4 شهور والذي من المتوقع ان يسفر عن انفصال الجنوب عن الشمال، فيما وصف بأنه تدخل سافر في الشئون الداخلية لبلد مستقل وعضو في الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية. وقالت مصادر أمريكية إن الولاياتالمتحدة ربما تتدخل في السودان، إذا عادت الحرب إلى جنوبه، في إطار السياسة الأمريكية العالمية والحرب ضد الإرهاب. واضافت إن الوضع في جنوب السودان قد يؤثر على الحملة الأمريكية ضد الإرهاب، كما قد يؤثر على أسواق النفط. وحذرت المصادر، البشير، من عرقلة إجراء الاستفتاء المقرر له يناير/كانون الثاني المقبل في جنوب السودان. ونقلت صحيفة "كريستيان سيانس مونيتور" الأمريكية، عن خبراء في الشأن السوداني، قولهم إن تأخير الاستفتاء أو عرقلته، من قبل الحكومة السودانية سيؤدي إلى عودة الحرب الأهلية، مشيرة إلى أن "البشير والصفوة المروجة للحرب التي تحيط به مستعدون للحرب". وقالت الصحيفة إن "قادة السودان عمليون، وإذا ساهم أوباما مساهمة مباشرة في وضع سياسة السودان، وإذا قدم إغراءات مناسبة، يقدر على كسب قادة السودان". وشجعت الصحيفة أوباما ليسلك "طريق الإغراءات، لا طريق العقوبات في هذا الوقت الحرج". وقالت إن هذا "يتماشى مع طبيعة أوباما في تفضيل الجزرة على العصا، وفي استعمال الوسائل الدبلوماسية والإغراءات أكثر من الضغوط والتهديدات". إلى ذلك، كشفت مصادر مطلعة أن مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس أوكامبو سيشارك الجمعة في جلسة استماع لكتلة النواب السود بالكونجرس الأمريكي، التي يخاطبها النائب الأول للرئيس السوداني رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت. وأكدت المصادر وقوف النواب السود إلى جانب قيام استفتاء سكان جنوب السودان في موعده ودعم خيار الجنوبيين بما في ذلك خيار الانفصال عن الشمال، بالإضافة إلى الضغط على المجتمع الدولي لتصعيد قضية جرائم حرب إقليم دارفور المضطرب والضغط على الرئيس السوداني عمر البشير الذي توجه له المحكمة تهما بارتكاب إبادة جماعية. الانفصال قادم لا محالة كان الأمين العام للحركة الشعبية، وزير السلام في حكومة الجنوب، باقان أموم، شن في تصريحات سابقة له، هجوما عنيفا ضد حزب "المؤتمر الوطني" بزعامة الرئيس عمر البشير، ووصفه بأنه "حزب اعتاد نقض المواثيق والعهود"، متهماً إياه ب "دعم ميليشيات مسلحة، والدفع بها لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة أبيي وكل ولايات جنوب السودان". وكشف أن "الحركة تلقت وعوداً من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن، للاعتراف بدولة الجنوبالجديدة في حال اختار شعب الجنوب الانفصال، بالإضافة إلى تأكيد إجراء استفتاء لحق تقرير مصير جنوب السودان في الموعد المحدد له في التاسع من يناير من العام المقبل". وأشار أموم إلى أن الحركة الشعبية طالبت الولاياتالمتحدة الأميركية بدعم الدولتين الوليدتين في الشمال والجنوب في حال الانفصال، لافتاً إلى أن "الوحدة مستحيلة في ظل بقاء نظام البشير على سدة الحكم، بسبب مشروع الحركة الإسلامية السودانية القائم على الإقصاء والعنصرية وعدم الاعتراف بالآخر". وقال أموم إن شريكي الحكم في السودان وصلا إلى طريق مسدود بشأن الاتفاق على مفوضية استفتاء منطقة أبيي الحدودية بين الشمال والجنوب، "نظراً إلى تراجع" حزب "المؤتمر الوطني" عن الاتفاق المبدئي بينهما، الذي نص على أن يختار "المؤتمر الوطني" لجنة مفوضية استفتاء الجنوب، وأن تختار "الحركة الشعبية" لجنة مفوضية استفتاء أبيي. وأكد ، أن قطار الوحدة بين شمال السودان وجنوبه قد ولى.. ولم تبق قطرة أمل واحدة لوحدة السودان، "إلا إذا قام المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير باحتلال الجنوب عسكريا.. وبالتالي فلن تكون وحدة.. وإنما احتلال". وهدد اموم بالعودة إلى الحرب مجددا في حالة تأجيل الاستفتاء، والذي يعتبر بمثابة دعوة لنقض اتفاقية السلام. كما أشار إلى أن عرقلة الاستفتاء أو محاولة إلغائه ستؤدي أيضا إلى أن يقوم برلمان الجنوب باتخاذ قرارات وخيارات أخرى بديلة. وقال ان المسؤولين الأمريكيين وسفراء الدول الكبرى في مجلس الأمن وعدوه بالاعتراف الفوري بدولة الجنوب، إذا اختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء على تقرير المصير المقرر مطلع العام المقبل. واضاف إن الجنوبيين، يرون أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم بزعامة الرئيس عمر البشير، فشل في أن يجعل الوحدة جذابة بالنسبة لهم، وإن ذلك يعني أن الجنوبيين سيختارون الاستقلال "شبح التقسيم" تقول تقارير إعلامية أنه من المتوقع على نطاق واسع أن يختار الجنوبيون الاستقلال في الاستفتاء لكن محللين حذروا من خطورة العودة إلى الصراع إذا عرقل الشمال الاقتراع أو رفض تسليم السيطرة على حقول النفط الجنوبية المربحة. وكانت دراسة للمعهد الوطني الديموقراطي ومقره الولاياتالمتحدة، كشفت في وقت سابق أن الغالبية الساحقة من السودانيين الجنوبيين ستصوت لصالح قيام دولة مستقلة في الجنوب في الاستفتاء المقرر إجراؤه عام 2011. ومن المقرر أن يقترع جنوب السودان المنتج للنفط في يناير عام 2011 على الانفصال، في استفتاء تحدد موعده في اتفاق السلام الذي أنهى الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من 20 عاماً، مع الشمال. وأقام اتفاق السلام الشامل لعام 2005 الذي أنهى الحرب بين الشمال والجنوب حكومة ائتلافية في الخرطوم وحكومة متمتعة بحكم ذاتي محدود في الجنوب. والى جانب الاستفتاء وعد أيضا بإجراء انتخابات وطنية مقررة في فبراير عام 2010 وتقسيم عائدات النفط بين الجانبين. في غضون ذلك، حذر سياسيون سودانيون من مخاطر محتملة إزاء انفصال الجنوب وحددوا عدداً من المكاسب التي يمكن أن تتحقق حال استمرار السودان موحداً عقب الاستفتاء المرتقب في 2011. ونبّه أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم د. عوض الكرسني لإمكانية ظهور دولة في منطقة البحيرات في حالة انفصال الجنوب، إضافة إلى إرتفاع معدل الجريمة بظهور عصابات تتحول إلى قوى رديفة، مضيفاً أنّ القوى الدولية تلعب دوراً كبيراً في خيار الوحدة والانفصال.