كثيرة هي الأحداث التي كشفها الإصدار الوثائقي المبهر الذي بثه جيش الإسلام، أبرز فصائل المعارضة السورية في الريف الدمشقي، الثلاثاء الماضي، لتوضيح تفاصيل وخفايا "المعركة الكبرى" على تخوم العاصمة، لعل أكثرها خطورة، إشارته إلى أنها ربما كانت خلف اتخاذ روسيا قرارها بالتدخل العسكري في سوريا، حفاظاً على نظام الأسد الذي كان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار بعد مشارفة دمشق على السقوط. ومن الواضح، أن الإصدار المرئي الجديد ل"جيش الإسلام" لا يريد -كما قد يخطر على البال أول وهلة- منافسة إصدارات تنظيم "الدولة"، التي عادة ما توصف من باب التهويل ب"الهوليودية"، ويشار إلى تقنياتها ب"عالية الجودة"، وتتلقفها وسائل الإعلام كما لو كانت أسطورة من الأساطير، في الواقع، فإن وثائقي معركة "الله غالب" تخطى وتجاوز كل ذلك، وقفز إلى ما هو أبعد بكثير من أحلام مليشيات البغدادي التي حاربها الجيش ميدانياً، واتجه ليكشف الآفاق التي تطمح إليها "مؤسسة جيش الإسلام". – الإعداد للمعركة هدف معركة "الله غالب" كان السيطرة على سلسلة الجبال الشرقية الغربية لمدخل العاصمة دمشق والتي تطل على الغوطة الشرقية، ومنها كان نظام الأسد، الذي نثر كماً هائلاً من مدفعيته عليها، يلقي حمم النيران على بلدات الغوطة، كل يوم وبلا ملل، ما جعل من السيطرة عليها أولوية لدى قيادة الجيش. ثمانية أشهر استهلكها جيش الإسلام في التخطيط لهذه المعركة، التي انطلقت فجر الثامن من شهر سبتمبر/أيلول 2015، من غير أن يشعِر حتى جنوده الذين لم يعرفوا بالهدف الأخير إلا ساعة الانخراط في المعركة، بعيداً عن وسائل الإعلام إلا تلك التي رافقته، بتؤدة، بتأن وبكثير من الصبر والثبات. ثمانية آلاف مقاتل، كان على القيادة أن تتأكد من قدرتها على إدارتهم خلال سير المعارك، وحسن توزيعهم في الميدان، وتتأكد بدرجة أعلى من انضباطهم، وهو الأمر الذي نجح فيه الجيش أيما نجاح وفق ما أظهر الإصدار. عند مشاهدة فيلم معركة "الله غالب"، سيدور في ذهن المتلقي أسئلة كبيرة حقاً، لا تتوقف عند العسكرة والقتال، فما أظهرته المشاهد كانت عملية تقوم بها مؤسسة عملاقة، لا تصنع السلاح فحسب، ولا تدير معركة فقط، بل تخطط لكل صغيرة وكبيرة؛ بدءاً بتخطيط المعركة ووضع استراتيجيتها، مروراً بتحديد التكتيكات، وليس انتهاءً بتنفيذ بالغ الدقة للخطة المرسومة. وفي حين كان العسكريون يضعون الخطط، ويتدربون ويصنعون السلاح والذخيرة، كانت معامل الجلد تصنع أحذية للمقاتلين تعينهم على صعود الجبال، وآلات خياطة بدلات المجاهدين تهدر، والمطابخ تعدّ الطعام، وأشخاص بين كل أولئك يرتبون حقائب الجنود لرحلة المعركة الطويلة، في حين يعمل أصحاب الصوت الجهوري على ابتكار أناشيد حماسية تلهب حماسة المقاتلين وتقوي عزيمتهم. ويبدو أن رسالة "وثائقي معركة الله غالب" هي التأكيد أن جيش الإسلام مؤسسة يعمل المدنيون فيها جنباً إلى جنب مع العسكريين، من أجل أن يخوض الجميع معركة التحرير مع طغيان نظام الأسد وحلفائه. – الإصدار فنياً في هذا الإصدار، أظهر جيش الإسلام قدراته في صناعة الإعلام، والتعريف بنفسه، استخدم كاميرات محمولة بطائرات مسيرة عن بعد، دخلت إلى عمق العاصمة دمشق، وفضلاً عن كثير من الثكنات العسكرية فقد كشفت أمامه الأرض والميدان وتوزع المقار العسكرية التابعة للنظام، واستخدم كثيراً من تلك الصور لا في مهام عسكرية حربية استطلاعية، إنما في تقديم عرضه الإعلامي بشكل مؤثر للغاية. استُخدم في توضيح وشرح مرامي معركته تقنية ال3D، مستعرضاً عبر مقابلات مع قادة ميدانيين، وجنود شاركوا في المعركة، فضلاً عن محللين عسكريين واستراتيجيين، ما يريد توضيحه بلغة هادئة، ومونتاج سلس وعرض متسلسل. وجاءت جميع مشاهد الفيلم تقريباً بجودة FULL HD، بما في ذلك تلك المصورة من الجو عبر كاميرا محمولة على طائرة دون طيار. وفي خلفية الوثائقي، استمع المشاهدون لأناشيد حماسية خاصة بمعركة "الله غالب" وأخرى خاصة بجيش الإسلام، من الطراز الذي يستهوي المقاتلين عادة ويحفز حماستهم. وأمتع الإصدار، وداهم المشاعر، بمشاهد مصورة من الجو من قلب العاصمة دمشق، التقطت صوراً للمسجد الأموي، وسوق الحميدية، وساحة العباسيين، وأوتوستراد العدوي الخاضعة بمجملها لسيطرة قوات النظام، كما بث صوراً من الجو لبلدات الغوطة الشرقية المدمرة أظهرت المسجد الكبير في دوما، وسوق البلدية، وحي جوبر وغيرها. – وثائق وكشف الإصدار عن دخول جيش الإسلام وسيطرته على مقر "هيئة الأركان الاحتياطية" التي ربما يسمع السوريون بها لأول مرة، وهي مقر مماثل لهيئة الأركان السورية الكائن في ساحة الأمويين، ومعد ليكون مقراً شاملاً وكامل التجهيز لقيادة العمليات الحربية. وكان من أهم نتائج المعركة الكبيرة، كما يقول الإصدار، إيقاف الهجمة الشرسة للنظام ومليشيات حزب الله على مدينة الزبداني، التي لم يدخلها نظام الأسد حتى اليوم. كما كان من أهمها، عثور جيش الإسلام على وثائق سرية جداً، تدين نظام الأسد وتكشف عن جرائمه، تعهد الجيش بإصدارها بالكشف عنها تباعاً. كما تمكن الجيش من العثور وسحب الأرشيف الكامل لاجتماعات هيئة الأركان، ووثائق عسكرية أمنية هامة من فرع الأمن العسكري الذي سيطر عليه خلال المعركة، فضلاً عن اكتشاف طرق الاتصال والرموز المستخدمة بين قوات الأركان ومؤسسات النظام. وسيطر جيش الإسلام على أهم طريق إمداد اقتصادي وعسكري للنظام؛ ما رفع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 290 إلى 390 ليرة. وخلال المعركة، قتل جيش الإسلام أكثر من 700 عنصر تابع لنظام الأسد والمليشيات الموالية لها، فضلاً عن اغتنامه لأول مرة مدرعتين من طراز فوزديكا ومدافع ميدانية، وغيرها كثير. ويريد جيش الإسلام أن يثبت عبر معركة "الله غالب" أنه الجيش المنظم الذي يمكن الاعتماد عليه، والوثوق بانضباطية جنوده، وبأنه قادر إلى الوصول إلى أكثر المناطق قرباً من نظام الأسد، وتهديد رأسه بشكل مباشر، وأنَّ الجيش الذي قبل بالتفاوض مع نظام الأسد، تحت مظلة الهيئة العليا للتفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض ومبادئها المعلنة، والتي كبير مفاوضيها هو قيادي بجيش الإسلام، لديه ما يفعله على الأرض ويحرزه عند فشل المفاوضات.