في الحب خطايا لا تقتفر أولها الغياب، فالحب يظل فعلاً كاملاً حتى يعتل بالغياب فيصبح فعلاً معلولاً علامة اعتلاله الدهشة الظاهرة على الطرف الذي وقع عليه فعل الغياب. تتعدد الأسباب والغياب واحد، طعمه مرٌّ ولونه غاتم، ويظل الغياب عبارة عن سيف مسلط على عنق العلاقات العاطفية، يخشي كل طرف أن يسلطه الطرف الآخر عليه في لحظة لا توقع. وعلى عكس ما يقول المغني "الغائب عزروا معاه" يتعامل بعض المحبين مع الغياب كحق لا يحتاج لإيراد إعزار فيكفي أن تحس بأن الطرف الذي تربطك به علاقة عاطفية ما عاد يلبي طموحاتك ولا يرضي اشياءك فكل ما ستفعله حيناها هو أن تشهر كرت الغياب في وجه العلاقة وتيمم وجهك باتجاه الفراق تاركاً الطرف الآخر يكابد محنة الغياب. وفي هذه الحالة يكون الغياب لأسباب نرجسية بحتة تعلق بتضخم ذات الغائب الذي سلك أقصر الطرق، طريق الغياب دونما أن يعطي للطرف الآخر فرصة للرد على هواجسه وظنونه ودونما أن يدار حوار حول المشاكل التي دفعته للرحيل. الغياب للأسباب النرجسية، قد يكون أسوأ أنواع الغياب لا يضاهيه في السوء إلا الغياب لأسباب مازوخية. فالنزاعة المازوخية حاضرة في كثير من قصص الغياب. فالغياب في بعض الأحيان لا يكون له علاقة بنقصان العاطفة بل على العكس، فتأجج العواطف قد يغري بعض المحبين بالرحيل فبعض المحبين لا قدرة لهم لاحتمال نفقات الحب الكبير. فهنالك علاقات غادرها أطرافها وهم في قمة الإشباع العاطفي لأنهم كانوا يريدون أن يثبتوا لأنفسهم أن لديهم قدرة على المضي قدماً دونما الطرف الآخر ويكن الغياب في هذه الحالة عبارة عن رسالة من الطرف الغائب للطرف الذي وقع عليه الفعل أنك ما عدت مركز الكون وأن لي قدرة على مواصلة الحياة بدونك وإن استحال عليَّ الأمر في بداياته، الطرف التاني في هذه الحالة لا يكون له ذنب سوى أنه كان كريماً في مشاعره للحد الذي أحس فيه الطرف الآخر أنه لا يستطيع أن يرد على كل هذا الكرم إلا بالرحيل. معظم الغائبين ينسحبون على أمشاط عواطفهم فهم حتى اللحظات الأخيرة يتبادلون المشاعر والابتسامات، يتقاسمون الوعود ويربون الأمل ويلوحون بأيدهم عند آخر موعد أن إلى لقاء قريب إلا إنهم في دواخلهم يكونوا قد قرروا أنهم غائبون لا محال. الغائبون لا يرتكبون سوى خطيئة الغياب، أما المنتظرون فيقترفون خطيئة الحياة دونهم، فتصبح حياتهم عبارة عن ترقب وانتظار لشخص قد لا يعود، وإن عاد فإنه لن يعود ذلك الشخص المنتظر. إذاً، لا غائب يعود كما كان. إن عاد الغائبون -وهذا يحدث نادراً- فإنهم لا يجدون مبررات للغياب وتظل كل الأسباب عبارة عن تبريرات واهية لا مكان لها من الصياغ، إذ لا يوجد تبرير يوازي فداحة الفعل ذاته فعل الغياب. ملحوظة أنت لا يمكن أن تدرك مدى حبك لشخص إن لم تختبر محنة الغياب حاجة أخيرة غيابك يعني تواجدك في أماكن تجيد الاحتفاظ بك