أثناء عملي كمساعدة للأستاذ القدير الدكتور الطيب حاج عطية في مركز أبحاث السلام استعصى على المجلس القومي للصحافة والمطبوعات تفسير ظاهرة رسوب عدد كبير من طلاب الإعلام في امتحان القيد الصحفي فدفع بالملف إلى يد الخبير الإعلامي ليدلي بدلوه وبعد دراسة متفحصة للملف علق الدكتور تعليقاً بسيطاً ما زال عالقاً بذهني "لا تسألو من رسبوا لماذا رسبوا بل اسالوا الناجحين كيف استطاعوا النجاح؟". مقولة أستاذي قفزت إلى ذهني وأنا أطالع تصريحات وزيرة الرعاية الاجتماعية بولاية الخرطوم مشاعر الدولب التي وصفت فيها الشباب بأنهم يعانون من فراغ روحي فوجدتني أردد بيني وبين نفسي تلك المقولة ولكن بحيثيات مختلفة "لا تسألوا الذين فرغت أرواحهم كيف فرغت بل اسألوا من استطاعوا الاحتفاظ بها ممتلئة ماذا فعلوا؟". مشاعر وعدد من الأئمة وصموا الشباب بأنهم يعانون من فراغ روحي جراء مظاهر الحزن العميق التي انتابتهم أثناء تشييع جثمان الفنان الراحل محمود عبدالعزيز فالالتفاف حول محمود كرمز كان بمثابة دليل قاطع للخواء الروحي الذي يعاني منه الشباب، هذا بحسب تفسيرات الأئمة ووزيرة الرعاية الاجتماعية. لنترك موضوع الراحل محمود بعيداً ونناقش أمر الخواء الروحي منفرداً ولندحرج السؤال باتجاه الوزيرة مرة أخرى سؤال بسيط جدا الشباب الذين وصفتيهم بأنهم يعانون من الفراغ الروحي هم الشباب الذين تربوا في كنف المشروع الحضاري فهل خواؤهم الروحي هذا مؤشر لأن المشروع لم يستطع أن يقدم القدوة الحسنة التي يمكن أن يقتدى بها الشباب أو أن هنالك خللاً صاحب تطبيق المشروع نحن نتساءل أين العلة؟ فإذا لم يستطع المشروع الحضاري أن يقدم القدوة الحسنة تبقى هذه هي مشكلة المشروع وليست مشكلة الشباب ولو أن المشروع لم يطبق شعاراته الرنانة التي نادى بها أيضاً فهذه مشكلة المشروع وليست مشكلة الشباب فاللوم هنا يقع على أصحاب المشروع وليس الشباب. ولتعلمي سيدتي الوزيرة أن الشباب الذين تتحدثين عنهم لم تبق لهم روح من الأساس بالدارجي كدة "روحهم انسلت"، من اللهث وراء حطام أحلامهم المهشمة علي رصيف انتظارات الوظيفة أو هامش حرية يسمح لهم بالهتاف، فهم عزيزتي أجساد أنهكها التعب والإحباط بعد أن تخلت الدولة عنهم وفشلت في تقديم نموذج القائد القدوة وبعد ذلك قررت قصداً أو عفواً أن تفتح لهم باب الخيارات بعد سنوات من الكبت فسلك بعضهم طريق التطرف وسلك الآخر طريق اللامبالة. عزيزتي الوزيرة قومي باستدعاء الشباب الذين ما زلت لديهم أرواح ممتلئة وحاولي ان تعرفي الطريقة التي اتبعوها للحفاظ عليها في ظل كل هذه المتناقضات وبعد ذلك عممي التجربة ولتنظمي مؤتمر الأرواح الممتلئة!!