شرلوك هولمز الذي رأيناه في الأفلام ونقرأ عنه في 56 قصة قصيرة كتبها الطبيب الاسكتلندي آرثر دويل، هو خرافي اخترعه دويل قبل 123 سنة كمحقق لا تحدث جريمة إلا ويصل إلى مرتكبها، ومنه نسجوا شخصية ثانية اسمها "كولومبو" ومثلها في مسلسل هوليوودي شهير بسبعينات القرن الماضي، الأمريكي بيتر فالك، المعتل حاليا بمرض الزهايمر. أما شرلوك هولمز الحقيقي، فهو لبناني من لحم ودم وبدأ اسمه يتردد هذه الأيام بشكل خاص كبطل الكشف عن القتلة الحقيقيين لرفيق الحريري، مهما كانت أو ستكون هويتهم، لأن الرائد وسام عيد "كان أكثر من خبير بالكومبيوتر والاتصالات، بل كان "فلتة" بالتحريات وينال إعجاب رؤسائه دائما في هذا المجال" وفق ما قال والده، محمود عيد، الذي اتصلت به "العربية.نت" الثلاثاء 23-11-2010 عبر الهاتف. وكان وسام عيد سيكشف المزيد للمحققين بالتأكيد، لكن قتلة الحريري استدركوا خطورته فاغتالوه.. قتلوه بسيارة مفخخة منذ عامين وهو بعمر 32 سنة في عز الشباب، وظنوا أن النسيان سيطويه، إلا أن ما قام به ما زال أهم الأدلة للمحققين، وهي أدلة ينتقم عبرها عيد ممن قتلوه بالتفجير الذي أودى بحياته وحياة مساعد له و4مدنيين كانوا في الجوار بمنطقة الحازمية في بيروت، وعبرها ينتقم أيضا ممن اغتالوا قبله رئيس الوزراء اللبناني و22 آخرين. ويقول محمود عيد إنه لم يشاهد بعد الفيلم الوثائقي الذي بثته محطة "سي.بي.سي" الكندية ليلة أمس، وفيه تركيز كبير على دور ابنه الراحل في كشف ذيول وملابسات مقتل الحريري "لكنهم وعدوني بإرساله لي ولم يفعلوا إلى الآن" كما قال ل "العربية.نت" عبر الهاتف من بلدته دير عمار. وفي الفيلم الوثائقي، وقبله العام الماضي أيضا عبر مجلة "در شبيغل" الألمانية التي نشرت تحقيقا مماثلا، ما يشير الى أن وسام عيد كان "شرلوك هولمز لبنان" بامتياز، فوحده استطاع تتبع المكالمات الهاتفية لمجموعة من 8 أشخاص يقول الفيلم، كما المجلة، إنهم من المتورطين بالتخطيط وبتنفيذ عملية اغتيال الحريري، ولكن لا ندري الى الآن إذا كان عيد هو وراء تسميتهم بتابعين لحزب الله أو سواه. وكان وسام عيد هو من اكتشف أرقام الهواتف التي تم استخدامها لتنظيم عملية الاغتيال من خلال خبرته كمهندس اتصالات ومعلوماتية، لذلك لعب دورا مهما جدا مع لجنة التحقيق الدولية وسعى لأن يفيدها بشكل حاسم في التعرف الى المنفذين والمخططين، ربما لأنه كان أيضا من المقربين من رئيس الوزراء الراحل وكان في مرحلة ما رئيس فريقه الأمني، لذلك أمد لجان التحقيق الدولية بمعلومات عددة ومتنوعة وكان المحرك الرئيسي لتوجيهها الى المسار الصحيح في التحقيق، ولو من وراء الكواليس "لأنه كان كتوما جدا ولا يدع أحدا يعرف ما يفعل وسيفعل" بحسب تعبير والده ولوسام عيد خبرة سابقة في التحريات والتحقيقات اكتسبها أيضا من انخراطه عام 2001 في الأمن العام اللبناني حيث كان ضمن الأجهزة الأمنية التي أوقفت عناصر من تنظيم "فتح الإسلام" في مارس/ آذار 2007 بتهمة تفجير حافلتي ركاب ذلك العام في منطقة "عين علق" بالقرب من مصيف بكفيا في منطقة المتن بجبل لبنان، شمال بيروت، وجاء التفجيران عشية الذكرى الثانية لاغتيال رفيق الحريري. وكان عيد تعرض لأول عملية لتصفيته في 11 فباير/ شباط 2006 حين كان يقيم في "حي الأميركان" الواقع عند أحد أطراف الضاحية الجنوبية لبيروت، عندما استهدفه مجهولون خططوا لاغتياله بوضع قنبلة عند مدخل منزله، وكانت معدة للتفجير عندما يفتح بابه، ولكن يبدو أن واضعها أخطأ في حسابات الوقت فانفجرت قبل ذلك ونجا من موت كان حاسما، وهي محاولة حملته على الانتقال الى منطقة "الدكوانة" الواقعة في الضاحية الشرقية من بيروت. تلك المحاولة كانت لها علاقة آنذاك بتسليمه ملف التحقيق مع جماعات أصولية مرتبطة بتنظيم "القاعدة" بحسب ما قاله هو لبعض مقربيه، باعتباره كان مكلفا بمهمة التحقيق مع أفراد تابعين لحركة "فتح الاسلام" الذين تم كشفهم واعتقالهم بأوائل 2004 في بيروت. ثم حاولت "فتح الاسلام" اصطياده ثانية خلال الاشتباكات معها، فقد كان هو من اكتشف مخبأها ومقرها بعد أن سرقت فرع أحد المصارف في شمال لبنان وأدت المواجهة التي حصلت خلال دهم المقر الى اشتباكات ضارية أصيب فيها عيد بجروح، وأدت الى تفجير حرب مخيم نهر البارد، في ما بعد. ويبدو أن اوسام عيد اكتسب الميل الى التحريات والتحقيقات من والده بالذات، فقد كان محمود عيد تحريا سابقا وعمل في جهاز الأمن اللبناني طوال 21 سنة، كان خلالها أيضا رئيس مخفر في منطقة الضنية بطرابلس، كما في بلدة زغرتا بالشمال اللبناني. ويذكر الأب عن ابنه الراحل بأنه لم يكن راغبا بدخول سلك الأمن العام اللبناني "فقد سافر الى الإمارات وعمل فيها 3 أشهر في حقل الكومبيوتر والمعلوماتية، فقد تخرج وتخصص بهذا الحقل من جامعة البلمند اللبنانية، ثم عاد الى لبنان كمجند في خدمة العلم، وفي الجيش والأمن العام لاحظوا مهارته غير الطبيعية بالكومبيوتر والاتصالات من خلال قدرته على تتبع وتحليل آلاف المكالمات الهاتفية والكشف عن الحالات الشاذة كالهواتف النقالة التي يتم تشغيلها في أوقات معينة أو التي تتصل برقم أو رقمين فقط. ولأنه كان مختلفا عن سواه بالمعلوماتية والاتصالات فقد تمسكوا به وعينوه برتبة ملازم مهندس مع أقدمية سنتين في الرتبة والراتب، وتدرج في الرتب حتى وصل الى رتبة نقيب مهندس (ورقي إلى رتبة رائد مهندس بعد مقتله) وقد خدم في معهد قوى الأمن الداخلي (شعبة المعلوماتية) كما وفي مكتب مكافحة جرائم السرقات الدولية، إضافة الى أنه كان رئيس المكتب الفني في مصلحة الاتصالات وشعبة المعلومات، بل كان مؤسسه الحقيقي. وكان عيد عضوا مهما في ما سموه "اللجنة الفنية المختصة بالربط الألكتروني بين الأجهزة الأمنية" التي تم تكليفها بنقل وبتنسيق المعلومات بين الأجهزة الأمنية المختلفة، بل كان هو المؤسس الحقيقي من وراء الكواليس لتلك اللجنة أيضا. وغاب وسام عيد عن هذه الدنيا تاركا عائلة ملتاعة لغيابه المبكر: والداه يقيمان في بلدتهما، دير عمار، القريبة 3 كيلومترات من مدينة طرابلس في الشمال اللبناني، واخوته الثلاثة، وئام وعزام ومحمد (35 و30 و24 سنة) متفرقون، فاثنان منهم في الخارج: وئام يعمل مهندسا في ايطاليا، وعزام موظفا ببنك في بيروت. أما الأصغر محمد فيحضر للدكتوراه في فرنسا.