ما تزال عودة الفريق أول صلاح محمد عبد الله صالح، الشهير ب "صلاح قوش"، إلى ُسدة رئاسة جهاز المخابرات والأمن الوطني السوداني، تشكل لغزاً محيراً لدى الأوساط السياسية السودانية. ويمكن لتلك الأوساط أن تتفهم إقالة الفريق محمد عطا المولى من رئاسة الجهاز، والتغييرات الواسعة التي أجراها الرئيس البشير في هياكل الجيش والحزب الحاكم، لكنها لم تتفهم عودة "قوش"، الذي أقيل مرتين من مناصبه، الأولى في عام 2009 من رئاسة الجهاز نفسه، لأسباب لم يعلن عنها في حينه، والثانية كانت عام 2011، حيث تمت الإطاحة به من منصبه كمستشار للأمن القومي، بعد اتهامه بالتدبير ل "انقلاب عسكري" ضد نظام الحكم في السودان، وهو ما أدى إلى اعتقاله لفترة، ثم الإفراج عنه بعفو الرئاسي. ولعل "اللغز" يكمن في التساؤل حول كيف يمكن أن يثق الرئيس السوداني عمر البشير مرة أخرى؟ واستطلعت "ٌقدس برس" رأي أحد الخبراء في الشأن السوداني، حول عودة "ٌقوش" غير المتوقعة، حيث قال الخبير، الذي فضل عدم ذكر اسمه، نظراً لحساسية الموضوع: "إن عودة قوش جاءت برغبة من البشير الذي يريد مواجهة تيار نافع علي نافع، الذي يعارض تجديد ترشيح البشير لانتخابات 2020 الرئاسية، وهو ما اتضح جلياً في البند الذي تم إدراجه على جدول أعمال اجتماع مجلس شورى المؤتمر الوطني، حول فكرة التجديد للبشير، لكن المؤتمر قام باستبعاد البند، وهو ما دعا البشير إلى إقالة المهندس إبراهيم حامد، من منصب نائب رئيس الحزب، وهو من المحسوبين على تيار نافع". ويضيف الخبير: "هناك التقاء مصالح بين البشير وقوش، حيث يريد البشير تطهير صفوف الحزب من معارضيه، بينما يريد قوش تطهير الجهاز ممن يعتقد أنهم تأمروا عليه". وأشار الخبير إلى أن "هذه الرغبة ظهرت بشكل واضح لدى الطرفين، من خلال إقالة نائب رئيس جهاز المخابرات الفريق أسامة مختار، ومدير إدارة الأمن السياسي، وأقوى شخصية في الجهاز، اللواء عبد الغفار الشريف، الذي تم اعتقاله فور إقالته، وهو إجراء كان متوقعاً، نظراً لأن قوش يتهم الشريف بأنه كان وراء تحريض الرئيس على إقالته. كما شملت الإقالات كذلك 17 ضابطاً في الجهاز مما يحسبون على الشريف". وحول سبب استعانة البشير ب "ٌقوش"، فيعزوها الخبير إلى أن "البشير أراد شخصاً يثق بقدراته وإمكاناته الأمنية مثل قوش، كما أنه الشخص الوحيد القادر على مواجهة خصوم البشير ومعارضيه داخل الحزب أو خارجه، فضلاً عن علاقاته الوثيقة بالأجهزة الأمنية الإقليمية والدولية"، على حد تعبيره. لكن القيادي في حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان، الدكتور ربيع عبد العاطي، نفى في حديث مع "قدس برس"، صحة هذه المعلومات ووصفها بأنها "مبالغة وتضخيم لتباينات في الرأي هي من الأمور الطبيعية في حزب كبير مثل حزب المؤتمر الوطني". وأضاف: "قضية التباين في الرأي داخل المؤتمر الوطني لا يمكن أن تصل إلى مستوى الجبهات والأجنحة، ذلك أن التباين يكون عند النقاش لكن عند اتخاذ القرار يصبح ملزما للجميع وينتهي الخلاف". وتابع: "لا توجد تيارات ولا جبهات داخل الحزب، هذه مبالغات وتضخيم للآراء ليس إلا". وأشار عبد العاطي، إلى "وجود قناعة لدى مختلف قيادات الحزب على ضرورة القيام بإصلاحات جوهرية داخل الحزب"، وقال بأن "هناك وثيقة كاملة بهذا الخصوص يجري تنفيذها". وحول مسألة ترشيح الرئيس عمر البشير لولاية رئاسية جديدة، قال عبد العاطي: "مسألة ترشيح الرئيس البشير لولاية جديدة أصبحت شبه محسومة، بعد أن زكت مجالس شورى الحزب والعديد من الأحزاب والمؤسسات الرسمية في مختلف الجهات هذا الأمر، وإن كان القرار في النهاية يجب أن يتم اتخاذه مركزيا، أي في المؤتمر العام للحزب". وحول مسألة الإعفاءات والاعتقالات التي تجري بين الفينة والأخرى، وما إذا كانت تعكس طبيعة تطهير الساحة من خصوم الرئيس البشير ورئيس جهاز المخابرات صلاح قوش، قال عبد العاطي: "هذا أيضا كلام غير دقيق، فصلاح قوش يلتقي بمختلف الفرقاء، وهو ضد الاعتقالات، وليس لديه أي ثارات واضحة يتم تنفيذها". وأضاف: "ما يجري على الأرض هو إجراءات أمنية ضد الفساد وإهدار المال العام، وهي إجراءات تأتي وفق معلومات وليس بطريقة ظنية"، على حد تعبيره. وتجدر الإشارة إلى أن البشير تعهد سابقا بالتخلي عن منصب الرئيس في نهاية ولايته الرئاسية الحالية في عام 2020. وتولى الرئيس عمر البشير (1 يناير 1944)، منصب رئيس السودان بعد الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء المنتخب في تلك الفترة الصادق المهدي في 30 حزيران (يونيو) 1989. وفي 26 نيسان (أبريل) 2010 أعيد انتخابه رئيسًا في أول "انتخابات تعددية" منذ استلامه للسلطة، كما تم إعادة انتخابه لولاية ثانية في العام 2015، وهي الأخيرة وفق الدستور. ويتطلب ترشيح الرئيس عمر البشير لولاية ثالثة تعديلا دستوريا. وكان الرئيس البشير قد أقال مطلع شباط (فبراير) الماضي بشكل مفاجئ مدير الأمن والمخابرات، محمد عطا المولى، وأصدر مرسوما، بتعيين صلاح عبد الله محمد صالح، الشهير ب"قوش" بدلًا عنه. وجاء تعيين قوش في ظل أوضاع أمنية واجتماعية محتقنة بسبب الإجراءات الاقتصادية القاسية التي أثارت احتجاجات شعبية واعتقالات طالت قادة أحزاب المعارضة. قدس برس