فيض وانحسار حواء رحمة الوزارات الشاهقة ذات الزجاج المظلل التي شيدها النظام السابق لخدمة أغراضه الخاصة والفساد و(أكل المال العام)، تظل عالقه بأذهان المواطن، بل حتى كلمة (تعيين وزراء) تصيبه بالخوف والترقب لكثرة ما أصابهم من إحباط طوال سنوات الإنقاذ التي جعلت من الوزارات حقل تجارب في عملية حل وتعيين متكررة للوزراء وشاغلي المناصب الدستوية، تكرار فشل الحكومة إبان عهد الرئيس المخلوع لم يكن مدهشاً، لأن الشعب كان (قنعان من خيرا فيها) لأنها لم تكن تفعل شيئا غير أنها كانت (بتشيل طاقية دا وتختها في رأس داك). ترقب الشعب السوداني لاختيار وزراء الحكومة المدنية كان شبيهاً بأعصاب أنصار فريق ينتظر صافرة حكم في مبارة نهائية. وبالرغم من اللغط الكثير حول بعضهم، وماصاحب الترشيحات من (دقسات) وبعض الفنيات، إلا أن المواطن قبل بعد ذلك الأمر، وأصبح يترقب – يوماً بعد يوم – انفراج الأزمات الاقتصادية وأزمة المواصلات التي اصابت الكثيرين بالإحباط والتذمر وأصبح السؤال عند البسطاء: "متين تفرج"، وبعضهم متخوف من الفشل لأن العمل على الأرض لم يبدأ ويجب أن يحسوا بالتغيير في حياتهم اليومية؛ أبسطها (المواصلات)، كما أن ملاحظات المواطن البسيط أصبحت ظاهرة من خلال تعليقاته على خطب بعض الوزراء أو الخطوات التي قاموا بها، وأجمع الكثيرون منهم على أن العمل على تحقيق شعارات الثورة اشد تأثيراً من التعاطف بالدموع أو الكلمات، فالثوار مازال مطلبهم الأول هو تحقيق كل شعارات الثورة، والتغيير يبدأ بالخطوات العملية. فكلما تأخرت الحكومة في إيجاد حلول ملموسة للمواطن، تتمثل في انفراج الأزمة المعيشية والمعاناة اليومية، تباعدت المسافة ما بينها والمواطن؛ ومن ثم تراجعت الثقة، فحكومة الثورة ليست كبيرة على المحاسبة أو حتى أن يطالها سخط الشعب الذي يبحث عن تحقيق أحلامه التي ظلت مكبوتة لثلاثين عاماُ، فالتراخي والبرامج غير العملية والتي لا تصب في حل المشكلات اليومية للمواطن تعد فلسفة في الوقت غير المناسب، فالآن المواطن يصرخ وقد هرم من انتظار الفرج، فالحرب اليومية التي يعيشها مع السوق كافية بأن يتململ ويتحسس أدوات ثورته. ضربة البداية تحتاج إلى برنامج جاهز، وعلى ما يبدو، وبلغة الرياضيين: (الناس ديل ما جاهزيين)، أو بتعبير آخر: شغالين تمارين إحماء، وهنالك من يتساءل: "لسه ما شالوا نفس؟"، فإذا كانوا كذلك، ما بال هذا الشعب الذي ظل يركض لثلاثين عاما وراء لقمة العيش حتى (انقطع نفسه) وأمله؟ أما آن له أن يستعيد أنفاسه والحياة التي تمناها؟ وحتى لا يذهب المواطن بخياله إلى أبعد من كونها مسألة زمن، يجب أن تعيد الحكومة المعينة بعد (تلتلة) وانتظار؛ يجب أن تعيد النظر في حركتها وبرامجها البطيئة.