تلقي الولاياتالمتحدة، الوسيط الرئيس في اتفاق السلام الشامل الموقع عام 2005، ثقلا دبلوماسيا واقتصاديا ضخما خلف تدشين جمهورية السودان الجنوبيالجديدة بعد غد (الخميس)، حسبما يرى المحللون . فالمسؤولون الأمريكيون يشيرون إلى اعتزام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو إس ايد) مواصلة مستوى دعمها للجهود التنموية في الجنوب عند ما يراوح بين 250 مليونا و300 مليون دولار سنويا، وذلك رغم الصعوبات المالية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي. وقال مسؤول في الحكومة الأمريكية ''ستواصل الحكومة الأمريكية التزامها بدعم تنمية هذا البلد الجديد على مستواها السابق نفسه''، مشيرا إلى أن الجنوب، الذي يعاني افتقارا هائلا إلى التنمية، لن يسقط من الحسابات الدولية بعد استقلاله. وبعد أن أنهى اتفاق السلام الشامل لعام 2005، 22 عاما من الحرب الأهلية، بدأت واشنطن برامج لدعم الصحة والتعليم والزراعة ومد الطرق وشبكات المياه والكهرباء في المنطقة التي كانت تتبع الخرطوم حتى عهد قريب. كما بدأت الولاياتالمتحدة برامج أخرى لتدريب المسؤولين في جنوب السودان الذي تمتع بحكم ذاتي منذ ست سنوات قبل أن يختار بأغلبية ساحقة الاستقلال الكامل في استفتاء تقرير المصير في كانون الثاني (يناير). كما مولت هيئة المعونة الأمريكية برامج لحل الصراعات من قبيل تشجيع الشباب في الجنوب على إيجاد وظائف بدلا من السطو على الماشية. وتسعى واشنطن لدعم الزراعة لما يتمتع به الجنوب من إمكانات اقتصادية هائلة قابلة للتحقق على هذا الصعيد، كما تساعد في تنويع النشاط الاقتصادي بحيث لا يقتصر على الصناعة النفطية التي تمثل زهاء 98 في المائة من العائدات الحكومية. ويقول جون تيمين محلل الشؤون السودانية ل ''فرانس برس'' إنه رغم ما تتعرض له الموازنة الأمريكية من ضغوط ما يشير إلى احتمال تأثر برامجها الخارجية لدعم التنمية، إلا أن ''جنوب السودان يبقى أولوية حقيقية بالنسبة للحكومة الأمريكية على الصعيد الإفريقي وحتى العالمي''. ويقول تيمين الذي يرأس برنامج السودان في المعهد الأمريكي للسلام ''من ثم أتوقع أن تستثمر الولاياتالمتحدة الكثير في الجنوب على المدى الطويل''. ويضيف أن الولاياتالمتحدة ''تبنت تبنيا حقيقيا عملية السلام'' في الجنوب، كما أنها ''عملت على تعزيز صداقة حقيقية'' مع جنوب السودان لأسباب إنسانية ودينية. فالجنوب يحظى بمجتمع مسيحي تربطه علاقات واسعة بالمجموعات المسيحية الأمريكية، بخلاف الشمال العربي المسلم. ويضيف تيمين أن الشركات الأمريكية قد تستثمر على المدى الطويل في الصناعة النفطية للجنوب. فالسودان يعد حاليا ثالث أكبر منتج للنفط في إفريقيا جنوب الصحراء، غير أن أغلب الحقول النفطية تقع في الجنوب وإن كانت خطوط أنابيب التصدير تمر عبر الشمال. كما ستسعى واشنطن لضمان عدم امتداد الاضطرابات من السودان إلى أوغندا وكينيا المجاورتين وهما البلدان الصديقان للولايات المتحدة. ويتفق تيمين مع غيره من المحللين في توقعهم أن تواجه واشنطن وغيرها من اللاعبين الدبلوماسيين مثل بريطانيا والنرويج والبلدان الإفريقية تحديات مستمرة في مسعاها لتسوية النزاعات العالقة في فترة ما بعد الاستقلال في التاسع من تموز (يوليو). ومن بين تلك النزاعات ما يتعلق بترسيم الحدود بين الشمال والجنوب فضلا عن تقاسم الثروة النفطية والمواطنة بالنسبة للجنوبيين المقيمين في الشمال والشماليين في الجنوب، وتخفيف عبء الدين السوداني الذي يناهز 38 مليار دولار. ومنذ جرى التوقيع على اتفاق السلام الشامل قبل ست سنوات لم يتم إحراز تقدم يذكر على صعيد تلك القضايا، بحسب جون كامبل الدبلوماسي السابق الذي يعمل حاليا مع مجلس العلاقات الخارجية، وهو مؤسسة بحثية. ونقلت ''فرانس برس'' عن كامبل قوله ''الجديد الآن هو أنه سيتعين الآن التعامل مع تلك القضايا في إطار بلدين يتمتع كل منهما بسيادة كاملة، بدلا من إطار بلد واحد. وهو ما يجعل الموقف أكثر تعقيدا''. وأضاف ''أنا متأكد 100 في المائة أن الجنوب سيستقل في التاسع من تموز (يوليو)، غير أنني لست متأكدا من انتهاء القتال في المنطقة''. وتابع بالقول إن هذا يعني ضرورة استمرار الانخراط الدبلوماسي للولايات المتحدة واللاعبين الآخرين. وتحذر مارينا أوتاواي المحللة في معهد كارنيغي للسلام الدولي من ضياع الجهود الأمريكية المبذولة مع تجدد العنف الحدودي في أبيي وجنوب كردفان. وقالت أوتاواي ''المشكلة أنه مهما كان حجم الجهد الذي تبذله الولاياتالمتحدة، إلا أن الآفاق لا تبدو جيدة في الوقت الراهن''، مشيرة إلى مخاوفها من دعم أحد الجانبين لميليشيا تنشط في الجانب الآخر من الحدود لإثارة التوترات