لم تتوقف ردود الفعل على حادثة اعتداء عناصر من الأمن العام اللبناني، في السادس حزيران الحالي، على مجموعة من اللاجئين إلى لبنان، حيث أراد لها مرتكبوها أن تتوقف. وها هي الحادثة تلقي بظلالها على العلاقات بين لبنان والسودان حيث يقيم ويعمل المئات من اللبنانيين، وحيث لقطاعات المصارف والاتصالات والإعمار والمطاعم والفنادق والإعلان والطباعة والزراعة، مصالح كبرى. وغالبا ما تمّر حوادث من هذا النوع بلا رقابة أو محاسبة، في بلاد تفتقر إلى قوانين تنّظم علاقتها بمواطنيها أساسا، وبزوارها - لا سيما الفقراء منهم - تالياً. إلا أن الوضع كان مغايرا هذه المرّة، فعلى الرغم من أن المتعرضين للاعتداء مواطنون من دول فقيرة إلا أن ما حصل أثار ردود فعل سودانية غاضبة استدعت تدخل السفير اللبناني لدى الخرطوم أحمد شماط، بطلب من وزارة الخارجية، للتأكيد على أن المخالفين من القوى الأمنية سينالون عقابهم. وكان عناصر من الأمن العام قد داهموا حفلا خيريا كان يقيمه في منطقة الأوزاعي لجمع كلفة علاج احد الأطفال المرضى بداء السرطان، نحو مئة وخمسين لاجئاً من الجنسيات السودانية والإثيوبية والصومالية والأفريقية المختلفة، ومن بينهم من كان قد دخل البلاد خلسة ويقيم فيها بصورة غير شرعية، ومنهم من هو مسجّل لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. وداهم العناصر الحفل مطلقين شتائم مهينة بحق اللاجئين و«ألوانهم»، ومنهالين عليهم بالضرب المبرح. وعلى الرغم من مساعي السفارة السودانية في لبنان حينها إلى التخفيف من حجم ما حصل، إلا أن الحادثة تستمر في إثارة ردود فعل بين السودانيين، ما استدعى عقد السفير اللبناني لدى الخرطوم أحمد شمّاط مؤتمرا صحافيا يوضح فيه ملابسات ما حصل، ويؤكد على متانة العلاقات بين البلدين الشقيقين وعدم تأثرها «بتصرف بعض رجال الأمن». وأعرب شمّاط عن استنكاره لما حدث للمواطنين السودانيين، معتبرا أنه «ليس من شيم اللبنانيين» ومتعهدا بأنه «إذا كان هناك من أخطاء أقدم عليها عنصر، فإن رؤسائه سوف يتخذون العقوبات المسلكية والقانونية ليكون عبرة لمن يعتبر». واضطر السفير إلى التغطية عما ارتكبه عناصر الأمن العام من إهانات وتفوههم بعبارات عنصرية بالقول «إن الراهب كسوته سوداء وهي دليل وقار واحترام، وإن كسوة الكعبة سوداء وهي دليل الرهبة والإجلال. ولولا السواد ما سطع نجم ولا ظهر بدر في السماء. لولا السواد لا سكون ولا سكينة، وما حبة البركة السوداء إلا وهي أصل الدواء». وأضاف أن «العلاقات التاريخية بين الشعبين السوداني واللبناني لا يمكن أن تشوبها أي شائبة، بل على العكس لبنان يستذكر قوات الردع العربية التي كانت بإمرة السودان في العام 1975 وتضحية الجيش السوداني هناك». وأشار السفير إلى حال الغضب التي عمت في السودان والدعوات لمقاطعة المطاعم والمنتجات والمصارف اللبنانية في السودان معتبرا «اننا بحاجة إلى عدم تأجيج القضية، ولتكون المواقع الإعلامية الالكترونية جسور محبة بين الشعوب. هناك أشخاص سودانيون ارتكبوا أخطاء، ودخلوا البلاد خلسة من دون تأشيرات بواسطة التهريب، وهناك دولة ترغب في تنظيم شؤونها. كان حريا بهؤلاء أن يذهبوا إلى الأمن اللبناني لتسوية أوضاعهم». وأكد أن «كل الإشكالات ستحل عبر الوسائل الدبلوماسية والقانونية». ردود فعل إلكترونية على الرغم من اهتمام الصحف السودانية بما نشرته جريدة «السفير» قبل أسبوع عن حادثة الاعتداء، إلا أن ردود الفعل في الشارع السوداني ظلت عادية مقارنة مع «الغضبة» الإلكترونية التي تفجرت في عدد من المواقع السودانية. ونادى رواد موقع «سودانيز أون لاين»، وهو الأشهر سودانياً، بمقاطعة المنتجات اللبنانية «دفاعا عن كرامة مواطنيهم الذين تعرضوا لاستفزازات وإهانات من عناصر الأمن اللبناني». كما علت أصوات مطالبة بسحب سفير السودان من لبنان، وطرد السفير اللبناني في الخرطوم. ولم تخلُ ردود الفعل الالكترونية من التذكير بجردة تاريخية لمواقف سابقة للبنان تجاه السودان – حسب وجهة نظر كاتبيها - تكشف عن عنصرية لبنانية تجاه السودانيين «بالرغم من الترحاب الذي يجده اللبنانيون في السودان». وصبت أصوات أخرى، عبر الموقع الذي يضم أكبر نسبة عضوية من السودانيين في الداخل والمهجر، غضبها على حكومة السودان وسفيرها في بيروت، متهمين إياهم ب«إهمال ما جرى والسكوت على الاهانة». في المقابل، نادى سودانيون آخرون من المشتركين في مواقع سودانية أخرى، كموقع «الركوبة»، بالهدوء، مذكرين قرّاءهم بأن عدداً من الرموز الوطنية السودانية وجدوا في لبنان العلم والمعرفة، ومنهم رئيس الوزراء السوداني الأول بعد الاستقلال الزعيم إسماعيل الأزهري، الذي درس في بيروت. وطالب «المنتصرون للبنان» بأهمية الفصل بين من ارتكبوا الحادثة وعامة الشعب اللبناني، «منعاً للتعميم المضر بحق الشعبين». وشجب أحد اللبنانيين المقيمين بالخرطوم (طلب عدم نشر اسمه) «ما حصل في بيروت من سوء معاملة لإخوتنا السودانيين»، مؤكداً «تقدير اللبنانيين للشعب السوداني والأمن السوداني الذي يعاملنا كعرب أشقاء وبطريقة محترمة»، مطالباً «الأمن اللبناني بأن يعامل السودانيين بالمثل وأفضل». أما الخارجية السودانية فقد اكتفت، على لسان الناطق الرسمي معاوية عثمان خالد، بالإشارة إلى اتهام عصابات منظمة بالنشاط في تهجير الشباب السودانيين إلى لبنان بطرق غير شرعية، ما يؤدّي إلى إشكالات عدة. ولفت سفير السودان في لبنان إدريس سليمان إلى أهمية وقف تسلل السودانيين إلى لبنان، مؤكدا أن سفارة بلاده تواصل متابعتها ملف حادثة الأوزاعي عن قرب، في حين وجّه شماط نداء «إلى جميع السودانيين والمواطنين الأجانب الآخرين الموجودين في لبنان، التوجه إلى المديرية العامة للأمن العام لتسوية أوضاعهم سواء بالحصول على إقامات شرعية أو المغادرة لمن يرغب». وأكد أن السفارة اللبنانية في الخرطوم «موجودة في خدمة السودانيين الراغبين في السفر إلى لبنان عبر الطرق القانونية». وعلى أرض العاصمة السودانية الخرطوم، لم تتجسد ردود أفعال عملية كتلك التي دعت إليها المواقع الالكترونية. فلم تستقبل السفارة اللبنانية أي مسيرات أو وقفات احتجاجية، كما ظلت المحال اللبنانية، وأشهرها قرية لبنان التراثية المعروفة ب«مطعم الساحة»، تزاول نشاطها في الخرطوم عاديا. وأشار شمّاط إلى تعرض بعض اللبنانيين في منطقة جوبا لمضايقات محدودة، وتوقع بعض المراقبين أن تستمر موجة الغضب الشعبية أياما، مع احتفاظ الشق الرسمي ممثلا بالحكومة بمعالجة الأزمة في أطرها القانونية والدبلوماسية.