** منذ شهر إلا قليلاً، كما علماء الفلك الذين يتابعون مسارات سقوط الأقمار الصناعية، تتابع وزارة الزراعة بالسودان مسار الجراد الصحرواي وترصده بدقة مشكوك في صحتها.. (إتحرك من مصر، وصل مثلث حلايب، دخل البحر الأحمر، ماشي الشمالية، وصل الشمالية)، أوهكذا رصدهم لمسار الجراد ومتابعته منذ مطلع فبراير والى يومنا هذا.. وما أن طاب المقام بالجراد بزرع الشمالية، شرعت إدارة وقاية النباتات بوزارة الزراعة في تبرير عجزها عن الوقاية بحديث فضائي، وهو الحديث القائل بمنتهى التضليل: (هذا الجراد وصل إلى بلادنا منهكاً من مصر وقطع آلاف الأميال، ولذلك لايشكل خطرا)، أوكما قال مدير إدارة وقاية النباتات بالزراعة الإتحادية، ونص الحديث يجب أن يكون موثقاً بأرشيف المسمى بالتلفزيون القومي، علماً أن هذا التلفزيون - بالوضع الإداري البائس والفاسد- لايملك الحاضر ولن يكون له مستقبل، فناهيك أن يكون له أرشيفاً..!! ** المهم..تصريحات سادة وقاية النباتات حول مسار الجراد الصحراوي غير دقيقة، وتتناقض مع تقارير ومحاذير منظمة الأغذية والزراعة، وكذلك تتناقض مع دراسات الخبراء والعلماء الموثقة في موسوعة ويكبيديا، ونأمل أن يطلعوا على تلك المحاذير والتقاريرالشهرية وكذلك على تلك الموسوعة العالمية حتى لاتكون تصريحاتهم محض تخدير للزراع وتضليل للرأي العام ..بالجهة الشمالية الشرقية، فالجراد الصحراوي لايأتي من مصر، أو كما تقول إدارة وقاية النباتات ، بل يتوالد ويتكاثر بشرق السودان وأثيوبيا وأرتريا ثم يهاجر - في فصل الصيف - إلى مصر والسعودية، ثم تعود السلالات إلى حيث موطن التوالد والتكاثر( شرق السودان وإثيوبيا وأرتريا)، في مثل هذا الموسم من كل عام..تلك معلومة يعرفها طلاب سنة أولى زراعة، وتقارير منظمة الأغذية والزراعة تحذر بها بلاد المنطقة شهرياً وليس سنوياً..ولكن سادة الزراعة في بلادنا لايسمعونها أويتجاهلونها رغم تكرار الحدث (تكاثراً وإنتشاراً)..ثم يرتبكون ويتخبطون بعد (خراب سوبا)..!! ** وإن كانت إدارة وقاية النباتات هي - فعلاً وليس إسما - إدارة لوقاية النباتات، لكافحت الجراد الصحراوي بشرق السودان في مرحلة التوالد والتكاثر (يوليو وأغسطس من كل عام)، وليس بعد التوالد والإنتشارما بين مصر و البحر الأحمر والشمالية..نعم، ناهيكم عن المسؤولية العامة، بل ليست من الأمانة العلمية أن تغض وزارة الزراعة طرفها عن الإشارة إلى بؤر توالد وتكاثر الجراد (شرق السودان)، ثم تقول للناس بمنتهى التضليل (الجراد جانا من مصر عن طريق حلايب)، وكأن تقاريرومحاذير منظمة الأغذية بعيدة عن عيون الصحافة وعقول الناس..مناطق بشرق السودان هي البؤر التي تفرخ أسراب الجراد وتصدرها لمصر والسعودية سنوياً، وتقارير منظمة الأغذية تؤكد ذلك شهرياً..وإن كانت هناك ثمة رغبة في الوقاية - أو إرادة للمكافحة - فلتستهدف تلك المناطق في موسم التكاثر، بدلا عن التجاهل واللامبالاة في ذاك الموسم، ثم (مطاردة الهواء) بعد أن تقضي الأسراب على الأخضر واليابس..!! ** وللأسف، كما تجاهلت وزارة الزراعة أمر الوقاية بالمكافحة في مرحلة التوالد والتكاثر، عجزت أيضاً عن المكافحة في مرحلة (الإنتشار والإلتهام)، أوهكذا يعكس الحال بالشمالية..فالجراد لايزال يلتهم الزرع هناك، والأهل هم الذين يكافحون ب(حرق اللاستيك) وغيره من الوسائل التقليدية، بيد أن وزارة الزراعة لاتزال تناشدة المنظمات الإقليمية وتستنجد الدولية بالمساعدة..عفواً، هي ترسل بين الحين والآخر طائرات رش متهالكة - أكل عليها الدهر وشرب - لترش بعض الأمكنة (كيفما إتفق)، وبمنتهى العشوائية..والمبيد المستخدم في الرش حالياً بمثابة مستحضر تجميل للجراد، لايكافحه، بل يزده ألقاً وتوهجاً..وقبل أسبوع سألت وزير الزراعة بالشمالية عن مصدر المبيد الفاسد الذي قضي على مزراع القمح بمحلية شرق النيل بدنقلا، فأجاب حائراً ( والله ما عارف، لكن جابتو شركة، ونحن هسة شغالين بنحصر في الخسائر)..واليوم وجد هذا الوزيرعملاً آخر، إذ عليه أن (يشتغل ويحصر خسائر الجراد أيضاً).. فالنهج الحاكم في بلادنا لم يعد يتقن غير إحصاء الخسائر،( زرعاً وإنساناً).. مؤسف للغاية أن تتفجأ وزارة الزراعة بالجراد رغم علمها بمناطق ومواسم التكاثر، و مؤسف للغاية أن تتفاجأ بالجراد رغم رصدها لمسار رحلة العودة من مصر..وبلا حياء، تناشد المنظمات (بعد خراب مالطا)..!! ** ولسوء حظ إدارة وقاية النباتات بالوزارة الزراعة، فالجراد القادم من مصر - منهكاً ومرهقاً - لم يقصد فندق روتانا ولا برج الفاتح - ولا قصور السلاطين - ليرتاح قليلاً من وعثاء السفر، أو لحين إعلان الوزارة عن جاهزيتا للمكافحة، بل شرع في إلتهام زرع البسطاء الذين بالكاد يزرعون (قوت عامهم)، أو ما يقيهم رهق (سجون الإعسار).. وبالمناسبة، بالإرادة والعزيمة ثم بالدراسات والأبحاث، توصلت سلطات الدولة المغربية - في العام 2004 - إلى أحدث أجهزة الرصد المستخدمة في عمليات مكافحة الجراد بالشرق الأوسط، حيث وصفتها منظمة الأغذية والزراعة بالأجهزة الدقيقة التي ترصد وتحدد بؤر توالد الجراد بدقة..أما سلطات دولتنا - والحمد لله الذي لايُحمد على مكروه سواه - فلاتزال في مرحلة تبرير العجز والفشل والفساد بتصريحات فحواها ( الجراد جاي تعبان، وما بيشكل خطر) ..!! إليكم ............ الطاهر ساتي