قالت أنباء وردت من عاصمة الجنوبجوبا ونشرتها الصحف السودانية مؤخراً، ان القنصل الأمريكي فى جوبا (باري واكلي) قد عقد اجتماعاً هنالك بكل من أمين عام الحركة الشعبية باقان أموم و القيادي عبد العزيز الحلو ، وياسر عرمان. أجندة الاجتماع تركزت حول الشمال و الدور الذى يمكن أن يلعبه هؤلاء القادة هناك. القنصل (باري) أطلق لأفكاره ورؤاه العنان بشأن (ما تريده واشنطن) من هؤلاء اللاعبين فى الشمال. كان خلاصة ما أوضحه للمجتمعين ، أن الولاياتالمتحدة تسعي لما أسماه (تغيير بنية الدولة السودانية) . و للمزيد من الإيضاح فان (باري) قال لسامعيه إن العمل سوف يتم عبر الملفات المتبقية من اتفاقية السلام و المتمثلة فى ملف أبيي و النيل الأزرق و جبال النوبة ، وحين تساءل المجتمعين عن كيفية العمل فى ظل وعود أمريكية للشمال بالتطبيع ورفع العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب فان القنصل الأمريكي – بهدوء و بساطة شديدة – أجاب بأن الحديث عن التطبيع مع الخرطوم (ليس سوي حديثاً عاماً الغرض منه فقط تشجيعها على تقديم المزيد من التنازلات ، وان التطبيع الحقيقي لن يتم إلاّ بعد استجابة الخرطوم لكافة المطلوبات الأمريكية) . و على وجه العموم قدم القنصل الأمريكي -(بالتفصيل)- إستراتيجية واشنطن حيال السودان الشمالي و أن من المهم الاتصال بكافة قوى المعارضة فى الشمال بغية دفعها باتجاه الأهداف الأمريكية. ويبدو هذا الاجتماع و ما دار فيه ، والقدر الكبير من الصراحة و الوضوح الذى تحدث به القنصل الأمريكي هو أقصي ما تفكر فيه واشنطن عقب انفضاض سامر استفتاء جنوب السودان. فالعلة هنا ليست فى أن واشنطن لها أجندة تجاه شمال السودان فهذه الأجندة على اية حال (مكشوفة و معروفة) ، كما ان العلة ليست ايضاً فى (استخدام واشنطن) لهذا القيادي أو ذاك، أو مجموعة القوى المعارضة ، فهذا ايضاً أمر معتاد ومألوف و هناك بالفعل من قادة قوي المعارضة من بات (يعمل) بإخلاص للأمريكيين منذ سنوات و هم غارقين فى هذا الخضم ، و انتفخت جيوبهم بالمال الأمريكي ، خاصة وان فضيحة مجلجلة فاحت قبل أيام بشأن ملايين الدولارات التى تسلمها قطاع الشمال ، وحولها لمنفعته الخاصة ؛ كما ضبطت الشرطة السودانية القيادي وليد حامد وهو يهم بتهريب دولارات الى الخارج . هذه ليست العلة فى الواقع ، ولكن العلة فى أن واشنطن (تحسب حسابات خاطئة كعادتها) فهي تقفز فوق حقائق باتت معلومة يصعب القفز فوقها، وفى مقدمتها متانة الجبهة السياسية الداخلية فى الشمال ، ومتانة ارتباط الحزب الوطني الحاكم بقطاعات المواطنين فى الشمال و استحالة اختراق هذا النسيج السياسي . واشنطن بحكم تجارب عديدة تعرف - يقيناً- هذه الحقيقة، ولو لم يكن الأمر كذلك لكان سهلاً إضعاف السلطة السودانية الحاكمة عبر اتفاقية السلام و لاستطاعت الحركة الشعبية زلزلة الخرطوم و إقامة سودانها الجديد. واشنطن تكرر الخطأ نفسه ، تسيء الى علاقاتها بالخرطوم ، و تخفق هى ومن تستخدمهم فى تحقيق أهدافها ضد الشمال. وسوف تثبت لها الأيام القريبة المقبلة صحة ما نقول !