من المؤكد أن اتجاه حكومة جنوب السودان الذي برز مؤخرا لتجييش حكام الولايات ومحافظي المقاطعات، وتمكين الجيش الشعبي، هكذا صراحة وبصورة رسمية – من احكام سيطرته علي مفاصل الأمور السياسية والتنفيذية والاقتصادية له دلالاته ومغازيه. ومن المؤكد أيضا أن له أهدافه المرسومة. صحيح ان غالب القادة السياسين الذين يقودون حكومة الجنوب حالياً ، بل كبار قاده الحركة الشعبية، وهم بشكل أو باخر ضباط في الجيش الشعبي، ولكن هنالك تفاوت في خبراتهم العسكرية والسياسية وهناك من تخلي عن الصفه العسكرية قبل سنوات، وتدرج في مدارج العمل السياسي تمهيدا لبروز الحركة- كحزب سياسي- عليه انتهاج العمل السياسي السلمي وترسيخ قواعد التنظيم السياسي، والتعامل بالطريقة التي تتعامل بها الاحزاب. وصحيح أيضاً أن شرط المقاتل، كان أحد شروط تولي العمل التنفيذي والسياسي في الحركة باعتبار أن التضحية والعمل والاخلاص للقضية هو أكبر المحفزات لتولي أي عضو في الحركة للمسئولية فيها. غير أن اختيار الحركة- لهذا الظرف بالذات – ولهذا المنعطف التاريخي الكبير والبلاد مقبلة علي انتخابات عامة، ودخلت بالفعل في ميدان الممارسة السياسية الديمقراطية اختيار توقيت كهذا لوضع قادة الجيش الشعبي علي رأس حكومات الولاياتالجنوبية العشر, يشير الي عدة أمور سالبة كلها- للأسف الشديد- ويصعب علي أي مراقب أن يمر عليها مرور الكرام. الأمر الاول، أن الحركة اختارت أن تسير في اتجاه معاكس ومغاير تماماً للرياح السياسية الديمقراطية في السودان، فالتقوي السياسية تجري الان مشاوراتها الرؤوية علي قدم وساق لاختيار مرشحيها، وبداهة فان الترشيح يستند علي الساسة الجاذبين جماهيرهاً، وليس من المنطقي بطبيعة الحال انه وفي وقت كهذا، وضع ضباط الجيش الشعبي حكاماً للولايات، فالطبيعي أن تكون الحركة قد بدأت تقلص وجود الجيش السلطة السياسية والتنفيذية تمهيداً للممارسة الديمقراطية المقبله، ومن غير الطبيعي ولا المستساغ سياسياً أن تبرز البزة العسكرية بهذا الانتشار الواسع في كافة أرجاء الجنوب. أما الامر الثاني , فهو يشير الي أن الحركة الشعبية – وفي اشارة مبكرة للغاية- بدت كمن تقرر أن اقليمها سوف يتم حكمة عسكرياً, وأن الديمقراطية التي يجري الحديث حولها لا شأن لها بها وهذا واضح من العناية الفائقه التي جري اختيار الحكام العسكريين بها, بما يؤكد أن المطلوب للمرحلة القبلة حكماً عسكرياً (بالجديد والنار) في أرجاء الجنوب بما يقطع الطريق علي أي قوي سياسية منافسة تنافس الحركة الشعبية في حكم الجنوب. الأمر الثالث، ربما أرادت الحركة أيضاً اشعار القوي السياسية المنافسة لها أن الاخيرة حتي ولو حازت علي أصوات وثقة الناخبين في حكم الجنوب فانها ستجد استحالة في تسلم حكم الجنوب لأن الجيش الشعبي سيمنع بقوة ويحول دون انتقال سلمي للسلطه لأي حزب يفوز مستقبلاً. أما الامر الرابع والخطير، فان دلالة تولية الحكام العسكريين هذه, هي بمثابة العد التنازلي التمهيدي للمرحلة المقبله وهي مرحلة انتقال الجنوب من اقليم يقع ضمن السيادة الوطنية السودانية ويتبع للسودان الموحد, الي دولة جديدة, ومن الضروري للدولة الجديدة أن تفرض سيطرتها العسكرية القوية سواء علي مستوي حكومة الاقليم أو علي مستوي حكام الولايات ومحامية عسكرية للجيش وحده الكلمة الأولي والاخيرة فيه. وهكذا فان مجمل الصورة لا يبشر أبداً بأن الحركة الشعبية مؤمنه بالديمقراطية, ولا بالاستحقاق الانتخابي المرتقب، ولا بوجود قوي جنوبية أخري من حقها ممارسة العمل السياسي في الاقليم.