قال أحد المسئولين العسكريين أنه وفي زيارة عمل مهمة قاموا بها إلى عاصمة الجنوبجوبا – قبل أشهر – تلقوا – وبعفوية وصراحة شديدة – تحذيراً من أحد مرافقيهم من حكومة الجنوب بألا يفرطوا في (كاباتهم) وهي القبعات العسكرية الخاصة بهم، وأنه اذا غفلوا عنها – هنيهة – فقد تهتبل الفرصة ذلك أيدي مدربة، وتسرقها!!، وأضاف المسئول، أنه وعلى الرغم من صدمته الشديدة وعدم تصديقه إلا أن ملامح المرافق الصادق لم تدع له مجالاً للسك. والقصة وضعناها هنا مدخلاً لأمر ملفت للنظر وربما مثير للمخاوف بشأن مستقبل الإقليم الجنوبي، بعد أن اتخذت حكومة الجنوب مؤخراً قراراً بوضع ذوي القبعات العسكرية هؤلاء، وضباط الجيش الشعبي – السابقين والحاليين – في مناصب حكام الولايات، ومحافظي المقاطعات في خطوة شرعت حكومة الجنوب في تنفيذها ربما تمهيداً، أو تحسباً لمرحلة مقبلة . وبما أن بالجنوب كما هو معروف (10) ولايات، فان الذين يحكمون هذه الولايات قبل قرار العسكرة الاخير كانوا هم من ضباط الجيش الشعبي السابقين ولكنهم كانوا يرتدون أزياء مدنية، وانخرط بعضهم لفترة طويلة في العمل السياسي مثل العميد تعبان دينق والي ولاية الوحدة المثير للجدل، والمثير للمتاعب، وما مواجهته الدامية الشهيرة مع الفريق فاولينو ماتيب رغم انتماء لكيهما لقبيلة النوير، ورغم التفاوت في الرتب العسكرية إلا دلالة صارخة على أزمة الانضباط العسكري داخل الجيش الشعبي هذه هي النقطة التي ترتبط بمفتتح هذا التحليل، حيث يسعي الكل للحصول على الزى العسكري – بأي رتبة كان – ليقول أنه كان مقاتلاً وضابطاً في الجيش الشعبي وقد أجرينا مراجعة شاملة لصفة الحكام الحاليين فوجدنا ان ثلثيهم (حوالي 6 أو 7) من ضباط الجيش الشعبي القدامى، بينما الباقون من المقاتلين ولكنهم في الواقع مدنيين، وهناك واحد فقط وهو مارك ديبوج الذي يتولي حكم ولاية بحر الغزال وكان ضابطاً في الشرطة. إذن ما الذي تسعي إليه حكومة جنوب السودان من وراء الإتيان بحكام عسكريين يعملون حالياً كضباط بالجيش الشعبي؟ الإجابة بطبيعة الحال موجودة في اهان قادة الحركة، ولكن ليس من الصعب استشفافها من بين ثنايا المعطيات الماثلة. فمن جانب أول فان الصراعات العديدة التي بدأت تبرز داخل قيادة الحركة – على مستوي الصف الأول – خاصة عقب حادثة البرلمان الأخيرة، تستشعر قيادة الحركة أنها إذا امتدت للولايات الجنوبية فسوف تقود إلى حرب أهلية طاحنة داخل الحركة بحيث تسعي كل مجموعة للامساك بزمام الأمور في قيادة الحركة، ولهذا فان وجود حكام عسكريين يأتمرون بأمر القائد العسكري للحركة – وهو زعيمها الفريق أول سلفاكير ميارديت - ربما يتيح له السيطرة على أي انفلات قد يحدث. ومن جانب ثان، فقد بدأ يتضح جلياً أن قادته سياسيين في الحركة لهم أجندات مختلفة خاصة حملة الأيدلوجيات في معسكر اموم وعرمان، بينما هناك من يركزون كل جهدهم باتجاه الوصول الى حق تقرير المصير بسلام ليتقرر مصير الإقليم، وإذا لم تتم عملية تقوية داخلية لعضلات الحركة – عبر استعمال عضلات جيشها – فقد ينفرط الأمر، وتختلط الأمور. ومن جانب ثالث ، فان القيادة السياسية للحركة فيما يبدو باتت تتخوف من الجيش الشعبي نفسه خاصة في ظل افتقاره للتدريب الجيد، وتداخل الانتماءات القبلية، وربما من خلال وضع كبار ضباطه على مقاعد المسئولية السياسية والتنفيذية في الإقليم تحاشي بروزه كمركز قوة مؤثرة يسبب مشاكل لا داعي لها . وعلى أية حال فان الخطوة في حد ذاتها بمثابة دليل واضح على أن القيادة السياسية والقيادة العسكرية داخل الحركة الشعبية تعيش أزمة، ولا يدري أحد هل ستخل الأزمة على هذا النحو أم أنها سوف تتعقد أكثر.