تلقيت دعوة كريمة من جمعية المراسلين في نيروبي للمشاركة في ورشة عمل بعنوان (الإعلام والتنمية المستدامة) خلال الفترة من السابع والعشرين من فبراير وحتى الثالث من مارس، وقد شارك بجانب المراسلين أساتذة من الجامعة من كينيا وعدد من الصحفيين من وسائل الإعلام الكينية ودول شرق ووسط إفريقيا والمكتب التنفيذي لاتحاد صحفيي شرق إفريقيا، وقد تناولت اللجنة قضايا تغطية وسائل الإعلام لموضوعات التنمية المستدامة والتغيرات المناخية، ودارت المناقشات في هذا الإطار باعتبار التنمية مسألة أساسية لدول القارة التي تعاني من التخلف والجوع والمرض.. وأن جل آثار التغير المناخي تقع على دول وشعوب العالم الثالث بما فيها إفريقيا. المتحدثون والمشاركون جميعاً أمنوا على ضعف التناول الإعلامي لموضوعات التنمية والتغير المناخي وركزوا على أن وسائل الإعلام تعتمد أساساً على الأخبار والموضوعات التي تزيد التوزيع وتنال اهتمام القراء والمشاهدين والمستمعين.. بينما القضايا المطروحة في ورشة العمل لا تعين ولا تساعد ولا تشجع على ذلك خاصة لدى ملاك وسائل الإعلام والسباق المحموم بين الموضوعات المعروضة للنشر نسبة لثقل مادتها، وعدم تهافت القراء لمثل هذه الموضوعات الحادة، ولكن برز هنالك سؤال مهم أمام المنظمين للورشة.. هل هناك تنمية مستدامة أو غير مستدامة!؟ هل يتيح الإعلام الدولي أي قدر من الأهمية لتنمية أفريقيا، أليست السياسة الدائمة والراتبة لوسائل الإعلام الغربي هي ألا يتم نشر أي أمر عن العالم النامي سوى أخبار الحروب والكوارث والموت والدمار. فإذا لم يغير الإعلام الدولي الذي يملك القوة والتأثير على العالم الثالث ويكون لديه الاستعداد للاستماع إلى إعلام الجنوب ( العالم الثالث) ويتوازن في أطروحاته فإنه من الصعوبة بمكان أن يتمكن الإعلام الأفريقي أو إعلام العالم الثالث من أن يكون فاعلاً ومؤثراً وآلية صالحة لأحداث التغيير وإشاعة الموضوعات المهمة مثل التغير المناخي والتنمية المستدامة وقضايا الفقر والجوع والمرض والنزاعات القبلية والانقسامات. أما بالنسبة لصحافتنا في السودان مثلاً فليس هناك أي قدر من الاهتمام بالتنمية المستدامة أو التغير المناخي وهما من أهم القضايا التي تشغل حملة القلم وقادة الرأي العام والمفكرين.. نحن بعيدون كل البعد عن العمل الجاد من أجل تنمية مستدامة بالرغم من وجود خطة إستراتيجية للنهوض بالبلاد والإنسان، ولدينا برامج تفصيلية تأتي النهضة الزراعية في مقدمة أولوياتها ولدينا من الأراضي الخصبة والتنوع المناخي الذي يمكن من خلاله أن نحقق الكثير من الأهداف التي يمكن أن تخرج بلادنا من دائرة الفقر والتخلف والتبعية.. التغير المناخي مثلاً في شمال البلاد يجعل من الزحف الصحراوي أكبر عدو لتحقيق النهضة الزراعية، فالأرض الخالية من الغطاء النباتي تعد مناخاً مناسباً للزحف الصحراوي مما يؤدي إلى تقليص الرقعة الزراعية ويضع الكثير من العراقيل أمام تحقيق التنمية المستدامة، ولدينا إقليم السافانا الذي تتوفر فيه الأمطار وتنمو فيه الشجيرات والأعشاب التي تحقق نمو الثروة الحيوانية إلى جانب إنتاج الصمغ العربي الذي ينفرد السودان بإنتاجه وتصديره.. ولدينا مناطق الزراعة المطرية في عدة مناطق جنوب السافانا مما يخلق مساحة متميزة لإنتاج محاصيل الدخن والذرة والسمسم والفول وجميعها سلع تجارية يمكن أن تحقق للبلاد الكثير من فرص التنمية الحقيقية. يستطيع الإعلام السوداني أن يخدم قضية التنمية والتنمية المستدامة والتغير المناخي والزحف الصحراوي.. المساحات الشاسعة من الأراضي الخصبة التي لا تحتاج إلا لمن يستغلها بالزراعة الشتوية القمح والفول والمنتجات البستانية.. وإلى قوانين مرنة تشجع الاستثمار وتخدم قضايا المستثمرين سواء أكانوا سودانيين أو عربا أو أجانب.. وعقليات إدارية متفتحة تختزل الخطوات وتحفز الناس على الدخول في عمليات الاستثمار.. وبدون جذب رأس المال العربي والأجنبي والمحلي للدخول في عالم الاستثمار الزراعي فإن أراضينا سوف تغزوها الأشجار وتزحف نحو الرمال الصحراوية وسوف تخلو من الحياة عموماً.. إذن ينبغي على وسائل الإعلام كافة العزف على وتر التنمية وإتاحة المجال حتى يتم التطبيع بين الإعلام التنموي والإعلام الإخباري ونحن محتاجون بشدة لذلك لأن التنمية بكل أنواعها هدف الإنسان على الأرض.. وبلا تنمية لن نتمكن من بناء الأوطان ولا بناء الإنسان.. ويجب على المعنيين بالجانب التنموي في المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي التحرك لدعم الميديا لهذا الاتجاه الذي أرى أنه يجب أن ينال الأولوية خاصة وبلادنا قد تم ربطها بشبكات من الاتصالات والطرق وصار ممكن إدارة أي مشروع إليكترونياً من أي مكان في العالم.. إذن ما ينقصنا بالضبط هو التحرك الإعلامي صوب إعلاء شأن التنمية والتنمية المستدامة. المصدر: الشرق 10/3/2011