نظرياً؛ السودان سلة غذاء العالم. هذا ما تمَّ تلقينه لنا في مقاعد الدراسة، بيد أن الواقع الزراعي يكذِّب تلك المقولة، فمع أن الأراضي شاسعة، والمناخ متدرج - من سافنا غنية، إلى سافنا فقيرة، إلى مناخ شبه صحراوي؛ ومع أن الأراضي الخصبة والمسطحة ممتدة عبر ملايين الأفدنة، ومصادر المياه الطبيعية بطول البلاد؛ مع كل كل ذلك؛ إلا أن هذه المميزات والثروات الطبيعية لم تفد السودان وإنسانه في شيء، حتى على مستوى الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية وتوفرها بالأسعار المناسبة! على الصعيد ذاته، تبرز مشكلة غلاء وندرة المواد الغذائية، التي تؤرق العالم من شرقه إلى غربه اليوم، وبدأت الأنظار تتجه من جديد إلى قلب أفريقيا، حيث الموارد غير المحدودة، والتربة التي لم تُنتهك بعد، كل هذا لإيجاد مخرج للأزمة، فهل السودان مستعد الآن لكي يقوم بدوره الطليعي في توفير الأمن الغذائي على المستوى الإقليمي والدولي؛ استناداً على موارده الطبيعية التي تؤهله لكي يلعب دور المنقذ؟ أم تظل بلادنا سلة غذاء العالم مع وقف التنفيذ؟! في السياق، تختتم اليوم بقاعة الصداقة فعاليات المؤتمر الإقليمي ال (30) للشرق الأدنى لمنظمة الزراعة والأغذية للأمم المتحدة، التي انطلقت في الرابع من ديسمبر الجاري. المؤتمر ناقش عدداً من القضايا والمسائل التي تعنى بالزراعة والغذاء، محاولاً إيجاد حلول للمشكلات التي تعترض التطوُّر في صناعة الغذاء، وأزمات الجفاف والتصحر، والمياه، والفقر، بجانب بحث مستقبل الاستثمارات الأجنبية في الزراعة بإقليم الشرق الأدنى، ومناقشة قضية الحوكمة في مجالات الأمن الغذائي والتغذية على المستويين المحلي والإقليمي، فضلاً عن تحديد الدول الأعضاء لخطة العمل في مجال الزراعة والأمن الغذائي والدعم الفني، بغرض مساندة جهود بلدان الإقليم الرامية لحسن استثمار الموارد الطبيعية، والإسهام في مكافحة الفقر من خلال التنمية الزراعية المستدامة. وناقشت جلسات المؤتمر، كذلك، جملة من القضايا، من بينها وضع حلول عاجلة لآثار الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، وأثر الأزمة المالية الاقتصادية على الأمن الغذائي والتغذوي في الشرق الأدنى، بجانب مناقشة قضية الآفات والأمراض النباتية العابرة للحدود في الشرق الأدنى، مع التركيز على صدأ الساق الأسود في القمح. وزير الزراعة الاتحادي، الدكتور عبد الحليم إسماعيل المتعافي، كان قد أعلن عن مشاركة ثلاثين دولة من الشرق الأدني في المؤتمر، مؤكداً أن انعقاد المؤتمر بالخرطوم جاء في وقت زادت فيه أهمية إنتاج الغذاء، وأهمية تكامل الجهود والأدوار بين شعوب الإقليم لإنتاج الغذاء، في وقت ارتفعت فيه أسعار السلع الغذائية، وشحت الموارد ونقصت المياه. المؤتمر – بحسب المتعافي – سيدعم في توصياته الختامية الاتجاه القوي لجذب الاستثمارات الكبيرة للإقليم، ولاستغلال موارد السودان الزراعية الهائلة، والدول بالمنظمة الإقليمية بالشرق الأدني، التي تضم ثلاثين دولة من بينها دول تحتاج إلى إمكانيات السودان ولديها فوائض مالية وتقانات زراعية يمكن أن تتكامل مع الموارد الطبيعية الموجودة بالبلاد؛ لتغطية حاجة الإقليم من الغذاء، وهو يعد من الأقاليم المستوردة للغذاء. من جانبه أكد وزير الدولة بوزارة الزراعة، عبّاس جمعة، التزام الدولة بتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، بجانب إقرار البرنامج التنفيذي للنهضة الزراعية. وكان جمعة قد طالب في افتتاح فعاليات المؤتمر الدول الأعضاء في الشرق الأدنى بالاتجاه نحو العمل الريفي، وحل المشكلات التي تواجه الزراعة لإسهامها في تهيئة الجو لإنفاذ السياسات المؤسسية والمالية التي بدورها ترفع الإنتاج وتحسِّن بيئة العمل، وتجذب الاستثمارات في القطاع الزراعي بوجه خاص، وزيادة دخل المزارعين والرعاة، مؤكداً التزام السودان بتنفيذ مقررات الألفية، بجانب اهتمام الدولة بقضية الأمن الغذائي من خلال تطبيق برامج النهضة الزراعية. وقال إن دول الشرق الأدنى أصبحت مستورداً للأغذية، لا سيما المواد الغذائية، التي تشكل خطراً عليها، مشيراً إلى أن هذا الوضع يتطلب ضرورة الاستفادة من الموارد المتاحة، منوهاً إلى الإسراع في تنفيذ برامج التكامل الزراعي، وتشجيع دخول الاستثمارات الأجنبية المشتركة. وأشاد الوزير بالجهود التي تقوم بها (الفاو) لاستقرار الإنتاج الزراعي، باعتباره وسيلة لضمان الاستقرار في الأمن الغذائي بالمنطقة عبر مكافحتها للآفات والأمراض العابرة للحدود. أما الأمين العام المساعد للفاو، د. سعد العتبي، فقد قال إن المنظمة تعكف على وضع حلول للمشكلات التي تواجه قضايا الزراعة، لا سيما الآثار المترتبة على الارتفاع الحاد للأسعار، خصوصاً الغذاء، التي أثرت سلبياً على الدخول المنخفضة. وفي السياق أكد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة العالمية بالأمم المتحدة، جاك ضيوف، أن انعقاد مؤتمر منظمة الأغذية والزراعة الثلاثين للشرق الأدني بالخرطوم؛ له دور مهم جداً، لا سيما في الآونة الأخيرة بعد التغيير في المنظمة وإصلاحها، مؤكداً أن المؤتمر يجيء في توقيت مهم جداً لعدد من الظروف، بحكم الأولويات في مجال الزراعة والأمن الغذائي في المنطقة المعروفة بمشاكلها في المجال الزراعي، مما يجعل للمؤتمر دوراً مهماً في ترتيب الأولويات وتنمية القطاع الزراعي بصفة عامة. وعزَّز بالقول إن المؤتمر جاء في وقت حرج يشهد اتساع أزمة الغذاء مما يؤثر في المنطقة خاصة، والعالم أجمع، مشيراً إلى أن مؤتمر الخرطوم سيخرج بتوصيات مهمة لزيادة الاستثمار في المجال الزراعي، لترتفع الإنتاجية بنسبة 70% لتغطية حاجة الدول - حسب ما قال. وفي السياق يرى خبراء الزراعة والمهتمون بهذا الشأن أن المؤتمر شكَّل فرصة كبيرة لجذب الاستثمار الأجنبي في مجال الزراعة، لحاجة العالم إلى الأراضي الزراعية والعوامل المناخية لإنتاج الغذاء، وبحسب وزير الدولة بوزارة الزراعة، عبد الرحيم علي حمد، فإنه يجب أن يستفاد من الدول المشاركة في جذب الاستثمار الزراعي وتغيير نمط السياسات الزراعية وإتاحة المجال للقطاع الخاص للدخول بقوة في المجال، مؤكداً إمكانية البلاد في توفير الغذاء على المستوى العالمي.