تبدو الحركة الشعبية شديدة الحساسية لدرجة الشعور بوخز الضمير و الذنب جراء النتائج المترتبة على توجهها الانفصالي الذى قادت الجنوب السوداني اليه وأفضت نتائجه من ثم الى هذا الانفصال . ومن اكثر النتائج التى تعتبر بحق وخيمة و تغض مضجع الحركة الشعبية الكيفية التى سيكون عليها حال مواطنوا الجنوب فى شمال السودان عقب قيام الدولة الجنوبية . وقد ظلت تطالب (بإلحاح) بتطبيق نظام الجنسية المزدوجة بين الشمال والجنوب ، فهي تريد لمواطنيها فى الشمال ان ينعموا بكافة حقوق المواطنة هناك ، و لا ضير من أن يصلوا فى يوم من الأيام الى سدة الحكم ، ولم لا ؟ فهنالك فى لا شعور الحركة ،حلم السودان الجديد الذى يقتضي ضرب عصفورين بحجر واحد! قبل أيام وفى ندوة أقامها مركز التنوير المعرفي بشأن التحديات السياسية الأمنية لدولتيّ الشمال و الجنوب قال خبير جنوبي هو دكتور (واني تومبي) إن مواطني الجنوب فى الشمال – و وفقاً للقانون الدولي- يتمتعون بالجنسية السودانية حتى بعد إعلان دولة الجنوب وقيامها رسمياً و أنهم لا يفقدون هذا الحق -و الحديث لا يزال للدكتور تومبي- إلاّ إذا تخلوا طواعية عن هذه الجنسية بإقرار كتابي! و أضاف تومبي ان إسقاط الجنسية عن مواطني الجنوب فى الشمال عقب الانفصال لا يخضع للقرارات السياسية ، وانما هو حق أصيل للجنوبيين وفقاً للقوانين الدولية وقانون الجنسية السودانية 1994م. وما من شك ان الرجل (بالغ) فى إضفاء الطابع القانوني لحقوق المواطنين الجنوبيين فى الشمال، وهو إسقاط طبيعي جراء (فداحة الحدث) فالحدث دون شك ضخم و هائل حيث عاش الآلاف و ربما الملايين من أبناء الجنوب فى الشمال منذ عشرات ومئات السنين ولم يعرفوا بلداً غيره ، والآن يواجهون تحدياً لم يكونوا ينتظرونه وهو أن يصبحوا رعايا في الشمال لدولة اخري. هذا الوضع دون شك مؤلم سواء للشماليين او للجنوبيين على حد سواء ، خاصة و ان هنالك تصاهر و تزاوج وعلاقات وثيقة على الصعيد الاجتماعي يصعب تجاهلها؛ ولكن بالمقابل و على العكس تماماً مما أورده الدكتور تومبي ، فان القانون هو القانون – وهذا هو فى الواقع جوهر المناداة بالمساواة التى ظل أبناء الجنوب ينادون به – فالنغمة السياسية الأكثر رنيناً طوال عقود من جانب أبناء الجنوب أنهم لا يتمتعون بالمساواة ولا بالحقوق (من الدرجة الأولي) و سبق ان قال زعيم الحركة الفريق اول سلفا كير (و حديثه موثق) بأحدي الكنائس بجوبا العام الفائت ،ان الجنوبيين إن كانوا حريصين على (مواطنة من الدرجة الأولي) فان عليهم التصويت لصالح الانفصال! من جانب ثان فان من الطبيعي -عقب وقوع الانفصال- ان يفقد مواطنوا الجنوب (جنسيتهم بوضعها القديم) حتى ولو كانوا قد حصلوا عليها بالميلاد، فهذا وضع حتمي ، غير انه لا يحول دون منح بعضهم (بحسب تقديرات السلطة المختصة فى إدارة الجوازات) جنسيات سواء بالميلاد او بالتجنس ، فالحالات هنا فردية تخضع للقانون ، و بمثلما أن للرئيس السوداني الحق فى منح الجنسية او إسقاطها- بحسب الأحوال - إستناداً على أسباب وتقديرات ينص عليها القانون، فان هذا هو ما سوف يحكم المواطنين الجنوبيين فى الشمال . بعضهم يمكن ان ينال جنسية بالميلاد ، وبعضهم جنسية بالتجنس ، وبعض آخر يتمتع بحق الإقامة كما يتمتع بها الأجانب او منسوبي دول الجوار ، لا أحد يملي على السلطة السودانية وضعاً معيناً فى هذا الصدد لأنه أمر يتصل بسيادة الدولة وحدها .