غريب للغاية أمر الحركات الدارفورية المسلحة التى ما تزال بعد خارج نطاق العملية السلمية، وخارج نطاق التفاوض نفسه، فهي تتلكأ و تتذرع بشتي السبل حتى تتحاشي دخول المفاوضات ، وربما لموقفها السياسي الضعيف ، أو لأن المتغيرات السياسية ما أبقت لها شيئاً من الثروة و السلطة ، أو لقلة حجم التأييد و القواعد بالنسبة لها في دارفور . أو لوجود يد أجنبية تمسك بياقة قميصها من الخلف وتريدها ان تبقي كذلك الى حين تريده هذه القوى الأجنبية. من الجانب الآخر فان ذات هذه الحركات المسلحة تريد من الحكومة السودانية والشعب السوداني كله ان يظل (وفى حالة انتظار دائم) حتى تحزم أمرها و تلج ساحة التفاوض ، أو أن تعتقها القوى الأجنبية وتطلق سراحها السياسي لتلملم ما تبقي لها من إرادة سياسية وتأتي للتفاوض؛ وهو أمر يمكن تشبيهه بالمثل الانجليزي المعروف (أكل الكيكة والاحتفاظ بها فى ذات الوقت) . من هذا الموقف يمكن قراءة موقف هذه الحركات المتمردة بشأن الخطوات التى تقوم بها الحكومة ، فحين صاغت الحكومة إستراتيجية دارفور فإنها سارعت برفضها على الفور ، دون تروٍ ، ودون تفكير ، بل و حتى دون أن تعاين ما هو متضمن فى هذه الإستراتجية الذى يخصها ويجتذب إهتمامها! و حين شرعت الحكومة السودانية فى إقامة مشروعات خدمية وتفكيك معسكرات النازحين وإشراك أهل دارفور على نطاق واسع فى كافة برامج التنمية والاعمار، فان الحركات المتمردة جنَّ جنونها وصارت تدخل فى عراك مع الجيش الحكومي وتسعي للتحالف - بشق الأنفس- لكي تفعل شيئاً يجعلها قوية علَّها تعرقل مسيرة العمل الحكومي فى دارفور . فقد رأينا مناوي يتحالف مع خليل فينهزما سوياً فى شنقلي طوباي و فى مناطق أخري ، و رأينا مناوي يتحالف مع عبد الواحد فينهزمان أيضاً فى قولو بجبل مرة و ما جاورها. لقد تتالت الهزائم لهذه الحركات و فقدت مأواها فى تشاد و فى طرابلس و فى الجنوب ، و فقد عبد الواحد باريس ودعمها بذهاب وزير خارجيتها الصهيوني القح برنارد كوشنير . و مع كل ذلك فان الحركات المسلحة لا تبدي قبولاً جدياً للتفاوض فى الدوحة – دون أسباب واضحة و مقنعة – و لا تدع الحكومة تعمل ، وآخر ما وقفت معارضة له استفتاء أهل دارفور بشأن تقسيمه لولايات – كما هو الحال الآن – أم تركه إقليماً واحداً؟ لقد عارضت هذه الحركات حتى هذه الخطوة التى تهم أهل دارفور و لا تهم هذه الحركات على نحو مباشر . إن مكمن الغرابة فى هذا الوضع يُستشف منه أمر واحد وهو أن هذه الحركات لا تسعي لخدمة الاقليم ومصحته ، فطالما ان أيدي قادة هذه الحركات متصلة بأيادي أجنبية ، ولطالما أنها تعارض كل ما تفعله الحكومة لصالح الاقليم وأهله ، و طالما أنها أضعف من أن تحتل الاقليم و تسيطر عليه او تسيطر على اى مساحة منه لتقوية موقفها التفاوضي ، فان ما تفعله الآن لا يصح إلاّ ان نطلق عليه عبثاً ، وهى بهذه المثابة تتخذ طابع العصابات الإجرامية التى تمتهن العمل المسلح فى حد ذاته للترويع وكتجارة رابحة !