الخبر ككل الأخبار التي تنشرها الصحف ووسائل الإعلام السودانية الأخرى يخلو من أي تفصيل أو تدقيق. يلقى إليك كحجر أصم منغلقاً وجامداً فلا ينشط أحد لتفصيله أو تحليله أو كشف خلفياته. وبرغم أن أحداثه وقعت في السودان، تظل (رويترز) هي المصدر الوحيد تنشره بالقدر الذي يخدم مصالح أربابها. الخبر يكشف عن كارثة ستحيق بهذا المولود المسخ الذي ينطبق عليه ما قاله الزعيم أحمد خير في مولد أحد الأحزاب: ولد ونجم النحس يتوسط فلك التعاسة، وإله الخصومة متربع في ملكوت الشقاقب. قلنا لإخواننا من قادة الحركة الشعبية وفيهم من نعتز بصداقته، أن ينصرفوا إلى مشاكلهم العديدة، والألغام الكثيرة تحت أقدامهم. وكتبنا وحذرنا أن الوليد يحتاج إلى رعاية حتى يقف على قدميه، وليس أحنّ من السودانيين عليهم حكاماً ومحكومين وموالين ومعارضين. ولكنهم وضعوا أصابعهم في آذانهم واستكبروا وظنوا أن حرص الناس على السلام والود عجز وضعف وانصرفوا لافتعال الخصومات وزرع الألغام وهم إنما يضعونها تحت أقدامهم ودولتهم الجديدة التي لا تملك من مقومات الدولة إلا بضع ذئاب يتحلقون حولها، لا يهمهم من أمرها إلا أن تكون مخلب قط لهم. لم يقل الخبر شيئاً جديداً ولا يكشف أمراً غير مألوف، إنما يحدّث عن واقع حال يعرفه الجميع إلا قيادة الحركة الشعبية، أن الدولة الجديدة تفتح عينين كليلتين على عالم ملئ بالصراع يحتاج إلى كل العناية التي يمكن أن يوليها القادة وإلى كل الأيدي التي ظلت ممدودة لهم من الشمال صبراً على الأذى ونكران الجميل. ولكنهم لا يسمعون إلا ما تمليه عليهم القوى الأجنبية التي تريد أن تنفخ في نار الحزازات والأحقاد، لتنفيذ مشروعها الذي أعلنه وزير الأمن الإسرائيلي السابق بتمزيق السودان وتدميره. وإذا كان ذلك يعني تدمير دولة الجنوب فليكن. فحياة الآخرين عند مغتصبي الأرض وقاتلي الأطفال لا يعني شيئاً. الهنود الحمر والسكان الأصليون في نيوزيلندا واستراليا وأمريكا وأهل القدس وغزة وجنوب السودان كلهم مجرد وقود في حرب أطماعهم. أي إنسان في هذه الدنيا يمكن أن يرتفع حاجباه دهشةً لهجوم مباغت على أية بقعة في دولة الجنوب وقد تخلت عن كل دفاعاتها ورمت نفسها في أحضان قوم لا يرحمون؟ وماذا يمكن أن تفعله أمريكا لحماية الدولة الجديدة من النزاعات القبلية والجهوية بكل قوتها النووية وبوارجها التي لا تستطيع أن تصل إلى الجنوب؟. الفريق المنشق عن الحركة الشعبية جورج أطور رجل من صميم الحركة الشعبية أرسل أحد نوابه لشن هجوم على ملكال للاستيلاء - كما يقول هو بنفسه - على أسلحة والرد على سلسلة من هجمات الجيش الشعبي ضد رجاله. وقد انشق عن الحركة متهماً إياها بتزوير الانتخابات لهزيمته في انتخابات حاكم ولاية جونقلي. فبالله عليكم أين يقع ذلك من اتهام المؤتمر الوطني والرئيس البشير بإبادة أهل الجنوب؟. وطاش صواب الحركة الشعبية، فقد كشف الهجوم عن عورتين كبيرتين: أولهما أن الدولة الجديدة مصابة بكساح الأطفال ولا قدرة لها على الوقوف على قدميها، والثانية أن الجيش الشعبي أضعف من أن يواجه هجوماً من بعض أفراد لا يملكون عشر ما يملكه الجيش الشعبي. وأركان الدولة مليئةً بمثل هؤلاء. ومن هول الصدمة قفزت الدولة إلى المربع الأخير وأعلنتها حرباً على الشمال: قطع المحادثات وإيقاف النفط. وكلاهما كان مقرراً ومقدراً جاء الهجوم أو لم يجئ. الغرب لا يريد محادثات تؤدي إلى حل وسلام في أي من القضايا المعلقة ولديه من المال ما يكفي لتعويض الجنوب لأربعٍ أو حتى عشر سنوات حتى يجد النفط المنحوس طريقه إلى ممبسا أو أوغندا. هذا الموقف اليائس البائس لا يجب أن يخرجنا عن طورنا فهو من صنع أيدينا حين غرسنا السكين في أحشائنا واستسلمنا للخمول والكسل واعتمدنا على قوم لم يخفوا نواياهم أبداً. إن على الحكومة أن تعي ما يواجهه أمننا من تهديد جدي وحقيقي، ولا تستهين به وتضع الكل - موالين ومعارضين - أمام الحقيقة العارية، وتترك الحكم للشعب تجاه الخونة والمتخاذلين والطابور الخامس وأصحاب الغرض. نقلاً عن صحيفة الرأى العام 16/3/2011