ثلاث سنوات ونصف السنة هي كل ما قدر لي ان انعم به واتمرغ خلاله في تراب ميري الدبلوماسية السودانية، في عاصمة قطر وفي رحاب اروع السفراء. وهي ايضا -يالغرابة الصدف -عمر ذلك الشئ الذي ظل يدور بين فنادق الشراتون وريتاج وموفامبيك ذوات النجوم المتلألئة في سماء الدوحة، باسم مباحثات سلام دارفور بين الوفد الحكومي رفيع المستوى تحت رعاية رجلين من ابرز رجالات الحكم و السياسة، وممثلي حركات دارفور. ولكن لكل نعيم نهاية وثمناً. وثمن ما تمرقت فيه من نعيم هو ذلك التوافق العجيب بين اقامتي ومسرحية سلام دارفور الذي كتب عليّ ان اتابعها من مواقع المتفرجين مع الكثيرين الذين ظلوا يتابعون احداث تلك المسرحية ويستمتعون ببعض فقراتها ، لاسباب لا صلة لها بالتفاوض او السلام او دارفور. ولأن ملامح النهاية قد بدت في الافق كما بدت في العام الفائت والعام الذي سبقه، فيظل السؤال يلاحقني بصفتي شاهداً مدفوع الثمن : ما هي حصيلة هذه السنوات الطويلة من التفاوض وتبادل وجهات النظر والوثائق والمواقف ؟ ولن اخدع احدا واقول ان النتيجة جاءت صفرا كبيراً. ولو كان ذلك لاعتبرناه انجازا ضخما لأنه يعني الثبات وعدم التزحزح الى الوراء . ودعني في هدوء احدثك كيف تكونت لديّ هذه القناعة . فأنا موقن منذ البداية بان تفاوض حكومة شرعية ذات سيادة مع حركات متمردة تحمل السلاح وتدخل به قاعة التفاوض لن يؤدي الى نتيجة . واذا ادى الى نتيجة فستكون لها عواقب وخيمة في نهاية الأمر. فمجرد دخولها التفاوض بالسلاح اعتراف ضمني من الحكومة بحقها في التمرد وحمل السلاح ومحاربة الحكومة، بما يعني عجز الحكومة عن تأدية واجبها في حماية مواطنيها بسحب السلاح الذي يهدد امنهم وسلامتهم . وهذه القناعة لا تنبع من أي تهوين لقيمة السلام ، الذي أعتبره اهم قيمة للإنسان تعلو علي كل قيمة أخرى . فليس هناك اقبح من الحرب واكثر حماقة منها . والحل العسكري ، وبخاصة في الخلافات بين ابناء الوطن الواحد تجلب الدمار والخراب للوطن ولكافة اطراف النزاع . ولكن القيمة الكلية لعمل ما لا تنسحب بالضرورة على كل جزئياته . وضرورة السعي للسلام كقيمة مطلقة لا يعني بالضرورة صلاحية السعي للسلام في كل الأحوال وبأي الاثمان . ورب سلام يحمل من النتائج الكارثية ما لا تسببه الحرب . وأسوأ من ذلك سلام يتطلب تنازلات من حكومة مهمتها الاساسية انهاء هذه التكتلات القبلية والجهوية وبناء دولة قومية اساسها تحقيق مصالح الافراد والجماعات في اطار المواطنة . وحركات مسلحة على النقيض من ذلك تريد تحقيق هذه المصالح القبلية والجهوية عن طريق التفاوض كتخصيص منصب معين لقبيلة او جهة. وأي تنازل في هذا الشأن يقوض الدولة من اساسها . وأسوأ من ذلك سلام يعقد بين حركات يعتمد نفوذها وبقاؤها على السلاح. وفي الجانب الآخر حكومة مهمتها الرئيسية الا يكون في البلد غير جيش نظامي واحد. واي تفاوض مع حركة مسلحة يجب ان يسبقه القاء السلاح وتسريح الجيش، او تكون اول نتائجه تحقيق ذلك . والحركات المسلحة اذا استطاعت ان تجر الحكومة الى طاولة المفاوضات لن تقبل ابدا بالتخلي عن سلاحها الذي هو ضمانتها الوحيدة . وفي عدد الأحد ان شاء الله احدثكم على أي شئ تأسست عندي هذه القناعة. وكيف تأكد لي منذ البداية ان مجادلات سلام دارفور لا مستقبل لها !. نقلا عن صحيفة الراي العام بتاريخ :31/3/2011