أفهم أن المعارضة هي الرأي الآخر، وأعتقد جازماً أن كل ما يحدث في الوطن العربي من (ثورات واحتجاجات وتمرد) ناتج عن فشل في الحكومات في الاستماع إلى الرأي الآخر، وفشل هذا (الرأي الآخر) في تقديم نفسه بصورة حضارية مدنية، يحمل برنامجاً متكاملاً . فالمعارضة العربية تختلف عن المعارضة في كل بقاع الأرض، فهي تفهم على أنها بديل للنظام القائم، وعليها أن تتبع كل الوسائل المدنية والعسكرية لقلب النظام والوصول إلى الحكم وتسلم السلطة، وحين تنجح في ذلك، تنشأ معارضة أخرى تسعى إلى الوصول إلى السلطة، وهذا التبادل القسري وأحياناً العنيف أدى، ولايزال يؤدي، إلى حروب أهلية ونزاعات مسلحة وموجات من التمرد، ولهذا أسباب: * أولاً: إن المعارضة العربية ليست معارضة تسعى للمشاركة في الحكم من أجل خدمة الوطن، وإنما هي معارضة (مناوئة ومضادة) للحكم . * ثانياً: المعارضة العربية ليست معارضة سياسية، وإنما معارضة بتوجهات مختلفة؛ دينية ومذهبية وقبلية وعائلية . * ثالثاً: المعارضة العربية لا تكتفي بذاتها، وإنما تسعى للاستقواء بالآخر والاستنجاد به، وبالتالي تتحول إلى طرف معاد للوطن وأحياناً (المواطنين)، فهي تسعى إلى فرض سلطتها بما تحمله من عقيدة وأفكار وسياسات قد لا تتفق مع شرائح أخرى يتكون منها المجتمع . * رابعاً: عدم اشتمال الدساتير العربية على مبدأ المشاركة الواضح والصريح، وعدم الاعتراف بتكوين نقابات وأحزاب ومجموعات تشارك في العمل الوطني . * خامساً: عدم وضوح بعض أنظمة الحكم، ويتجلى هذا في الأنظمة الجمهورية التي يحكمها شخص واحد أو أسرة واحدة لعقود من الزمن، ولهذا أُطلق عليها (الجمهوريات الملكية) . * سادساً: عدم الانتباه أو تجاهل مسألة التعددية العرقية والعقائدية والمذهبية في المجتمع الواحد، الأمر الذي أدى إلى ظلم بعض الشرائح واستبعادها من المشهد السياسي والاجتماعي، ما ولّد حقداً ثم تمرداً فثورة إلخ . . وحين تعم الفوضى والتخريب، وتسود لغة السلاح، يصبح المسرح مفتوحاً على احتمالات عديدة، منها تسلل جهات لها برامجها السياسية أو الاقتصادية الخاصة، أو مجموعات تخريبية تسعى إلى إضعاف الجبهة الداخلية، أو عصابات سرقة وإجرام، أو مجموعات دينية تسعى إلى تشكيل كيانات عقائدية، وهذا ما حدث في لبنان على مدى 16 سنة من الحرب الأهلية، وحدث ولا يزال في الصومال وأفغانستان، كما حدث في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين، وحدث ولا يزال يحدث في ليبيا، حيث تكثر (الدكاكين) السياسية والعسكرية، ويكثر الدخلاء، ويتمكن بعضهم من تقديم قضيته بقوة، ويثير الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، ولا بأس في تضخيم الأمور والمبالغة في نقل حجم الألم والقتل والدمار، وتجد بعض الدول الكبرى، ولاسيّما بعض اللاعبين الرئيسيين في العالم، فرصة سانحة لتحقيق مصالحها وزيادة وجودها المعنوي والمادي، وقد رأينا كيف احتلت أمريكا (وليس قوات التحالف) العراق وأفغانستان، وكيف حاولت التمركز سابقاً في لبنان والصومال . وبناء على ما تقدم، يمكننا وصف ما يحدث في ليبيا الآن ب(الأزمة)، هناك أزمة محلية نتجت عنها حرب أهلية، وهناك أزمة تدخل خارجي ستفضي إلى انقسام الرأي العام العالمي . هناك طريقة واحدة فقط للاستقرار في الدول العربية وهي: تنظيم المعارضة، وممارسة المعارضة لدورها على أنها مشاركة وليست بديلة، وهذا يتم بإعادة كتابة بعض بنود الدساتير، التي تسمح بالمشاركة الفعلية في بناء الوطن . المصدر: الخليج 4/4/2011