لقد تطرقنا أكثر من مرة للحديث عن مسألة التعصب الذي يستهدف المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية. شهد الأسبوع الماضي عدة أحداث تسببت في إعادة هذه القضية إلى واجهة الاهتمام في الولاياتالمتحدةالأمريكية. يوم الأحد، بثت شبكة سي ان ان الاخبارية برنامجا وثائقيا رائعا بعنوان: «غير مرحب به: جارنا المسلم»، وهو من إنتاج سوليداد أوبراين. يركز هذا البرنامج الوثائقي في قصة الصراع الذي تشهده مورفريسبيرو حول إذا ما كان يحق للجالية الإسلامية في تلك المدينة بناء مسجد جديد هناك. لقد قال لنا بعض السكان هناك ان مورفريسبيرو تفتخر بأنها «مدينة مضيافة» وانها أشبه ب «العائلة» في تماسكها، بيد أن الفيلم يفضحهم حيث اننا نرى كيف أنهم يتحدثون فيما بينهم ويعبرون عن غضبهم وما يكنونه من كراهية دفين لجيرانهم المسلمين. يظهر الفيلم الوثائقي المحاولات الفاشلة التي يقوم بها خصوم مشروع المسجد لاستصدار قرار عن محكمة موجودة في تنيسي ينص على أن الإسلام لا يمثل دينا وهو بالتالي لا يمكنه أن يحظى بحماية قانون الحريات في الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن الصورة التي رسمها خصوم مشروع المسجد، سواء من خلال أقوالهم أو سلوكهم، إنما تبعث على الحيرة وتثير المخاوف أيضا. بعد مرور يومين فقط على بث ذلك البرنامج الوثائقي، دعا السيناتور الجمهوري عن ولاية إلينوي ورئيس اللجنة القانونية الفرعية المكلفة بالدستور والحريات المدنية وحقوق الإنسان، إلى عقد جلسة استماع حول «الحقوق المدنية للمسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية». خلال تلك الجلسة أفاد الشهود بما لا يدع اي مجال للشك مدى تفاقم جرائم الكراهية والاعتداءات السافرة التي تستهدف المسلمين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد كان من بين الشهود الكاردينال ماكريك والمساعدان الحالي والسابق للمحامي العام المكلف بالحقوق المدنية. في جلسة الاستماع تلك اثيرت الضجة الكبيرة حول مشروع بناء مركز إسلامي ومسجد في بارك 51 في جنوب مانهاتن، الذي تم تأجيله.. إن الاحتجاجات التي شهدتها مورفريسبيرو ضد مشروع بناء مسجد إنما تدل على أن التمييز موجود فعلا على أرض الواقع وهو ما يهدد حقوق المسلمين وهي الحقوق المحمية من الدستور الأمريكي. أما أعضاء مجلس الشيوخ في اللجنة الفرعية المذكورة فقد جاءت تصريحاتهم وبياناتهم لتردد آراء ومواقف المعلقين اليمينيين. لقد راحوا ينددون بشدة بجلسة الاستماع برمتها ويعتبرون أن من شأنها أن تحول الأنظار عن المسألة الأكثر أهمية التي تتمثل في ضرورة العمل على كشف التطرف الإسلامي وهزمه، فقد قال السيناتور الجمهوري من ولاية أريزونا جون كيل على سبيل المثال: «أنا منزعج بعض الشيء من دواعي الدعوة إلى عقد هذه الجلسة. إن الطريقة المثلى لوقف الإرهابيين إنما تتمثل في معرفة الأماكن التي يأتون منها»، وكأن هذه الملاحظة تبرر تصرفات أولئك الذين ينكرون على المسلمين حقهم في بناء مسجد أو حرية ممارستهم شعائر عقيدتهم تحت حماية قانون الحريات الأمريكي. في تلك الأثناء، راح المرشحون الجمهوريون للانتخابات الرئاسية لسنة 2012 يغازلون القاعدة الدينية التابعة لحزبهم عبر إطلاق تصريحات مثيرة للسخط عن الاسلام والمسلمين. وقف جورج هاجي (مؤسس مؤسسة «متحدون من أجل إسرائيل» ورئيس مجلس النواب الأمريكي السابق نيوت جنجريتش أمام الآلاف من أنصارهما وراحا يقولان كلاما غريبا يفتقر إلى أي منطق: «إذا لم نكسب المعركة المتعلقة بطبيعة الولاياتالمتحدةالأمريكية بحلول الوقت الذي يكبر فيه أحفادنا ويبلغون سننا فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية ستكون قد تحولت إلى دولة علمانية وملحدة، وقد تصبح الولاياتالمتحدةالأمريكية تحت هيمنة الإسلاميين الراديكاليين، بل إن الأمر سيصل إلى حد أن ننسى معنى أن تكون أمريكيا». أضاف نيوت جنجريتش قوله: «كلا، أنا لن أكون شريكا في هذا الأمر». انضم المرشح الجمهوري هيرمان كاين بدوره إلى هذه المعمعة، فعندما سئل عما إذا كان يرضى أن يعين مسلم أمريكي في إدارته أو في المحكمة العليا الفيدرالية في حالة انتخابه، أجاب كاين قائلا: «كلا لن أفعل ذلك وهاكم السبب. هناك محاولات مستمرة لتسهيل تغلغل الشريعة والعقيدة الاسلاميتين في حكومتنا. الشريعة والعقيدة الاسلاميتين لا مكان لهما في إدارتنا». أما المرشح الآخر فهو الحاكم السابق لولاية مينيسوتا تيم باولنتي وقد أبى إلا أن يدلي بدلوه حيث تبجح بأنه قد فكك برنامجا في ولايته كان سيعطي الراغبين في شراء المنازل فرصة الحصول على رهن وفق مبادئ الشريعة الإسلامية. لقد أكد تيم باولنتي أنه قد فعل ما فعله «لأن الولاياتالمتحدةالأمريكية يجب أن تحكم بالدستور الأمريكي، لا بالقوانين الدينية». لقد كان ذلك مجرد مثالين فقط لهذا الخضم المعادي للشريعة الإسلامية وقد بدأ هذا الأمر عندما تبنى المستفتون في أوكلاهوما في استفتاء أجري للغرض قرارا بحظر تطبيق الشريعة الإسلامية في ولايتهم من دون أن يعرفوا أي شيء عن الشريعة الإسلامية. لقد تفاقم هذا التيار، ففي الأسبوع الماضي، أعلنت ولايتان أخريان أنهما ستنسجان على منوال ولاية أوكلاهوما وأنهما ستقترحان تشريعا جديدا لحظر الشريعة الإسلامية، ما سيرفع عدد الولايات التي تمنع الشريعة الإسلامية إلى خمسة عشر. قد يكون بقية الجمهوريين قد أمسكوا عن الكلام في الأسبوع الماضي، لكن في الشهر الماضي أوضح السيناتور السابق ريك سانتورم وسارة بالين والحاكم السابق مايك هاكبي ونائبة رئيس الكونجرس ميشيل باكمان آراءهم ومواقفهم من الاسلام والمسلمين وهي آراء ومواقف تنم عن قلة معرفة وجهل حقيقي. إن ازدياد المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين وتنامي انعدام التسامح باتا من الخطورة بمكان، سواء كان منبع ذلك الشعور المعادي لمشروع بناء المسجد في مدينة مورفريسبيرو أو مشاريع القوانين والتشريعات المناوئة للشريعة الإسلامية أو التعليقات المسيئة الصادرة عن شخصيات مرشحة إلى تولي مناصب رفيعة في الدولة. إن الجمهوريين يغازلون التطرف والمتطرفين وهم يخلطون خلطة قد تكون لها مستقبلا عواقبها الوخيمة. لقد كان السيناتور ديربان على حق عندما دق جرس الانذار غير أن الرهان أكثر من مجرد اختبار لمدى التزامنا بقانون الحريات في الولاياتالمتحدةالأمريكية. إن مستقبل روح الولاياتالأمريكية نفسها قد يتحدد على أساس الطريقة التي ستحل بها هذه المسألة. إن ذلك سيحدد أيضا علاقتنا بالمواطنين الأمريكيين من أتباع الديانة الاسلامية مثلما أنه سيحدد طبيعة روابطنا بمنطقة مهمة من العالم. رئيس المعهد العربي الأمريكي المصدر: اخبارالخليج 5/4/2011