اشتهرت المؤسسة الحاكمة البريطانية بالدهاء .بيد ان هذا الدهاء يرتكز علي مقومات غير سحرية ولا خفية ويمكن للآخرين الأخذ بها ..اضرب مثلا بأفضل أساليب امتصاص حدة التمرد الفكري المعارض قبل ان ستفحل ،توجه لجان البرلمان الدعوة لشهادات علنية "شفاهية "أو مكتوبة لمختلف وجهات النظر قبل التوصل الي قرار ما ،لا ينزل القرار من اعلي "مهما بدا صائبا وبديها ومقبولا "قبل عرض وجهات النظر المتباينة وغربلتها علنا "وسراً أحيانا . وقد دعي سفير السودان عبد الله الأزرق وممثل حكومة الجنوب في بريطانيا للإدلاء بشهادة أمام لجان مجلس اللوردات يوم 10مارس الماضي ،دعي أيضا خبيران أكاديميان هما بروفيسور ستيفن شان وبروفيسور أيان تيلر لتقديم وثيقة مكتوبة عن السودان وعلاقاته بالاتحاد الأوربي وبريطانيا . ركز البروفيسور شان في شهادته علي موضوع الصين واحتمالات المستقبل بالجنوب السوداني ..قال "وهو احد الذين زاروا الجنوب لمراقبة الاستفتاء "ان تعيين ليوجوجين كمبعوث خاص قد ساعد كثيرا ..لا تزال الصين متمسكة بمبدا عدم التدخل إلا ان علاقتها بالسودان تعمقت اذ زار سلفاكير بيكين مرتين ..ولا يخشي الصينيون ان تتأثر مصالحهم سلبا نتيجة للانفصال لان علاقتهم طيبة مع الشمال والجنوب . ثم قال ان السودان كان رابع دولة تعترف بالصين حينما كانت الصين تواجه مقاطعة وعزلة ،،والصينيون لا ينسون ذلك ..قال أيضا ان سياسة بريطانيا تجاه السودان "وصلته بالصين "لا ينبغي ان تكون معادية او مواجهة ولا ينبغي ان تري الصين كخطر علي المصالح البريطانية أو كمنافس ،الأفضل لبريطانيا ان تسعي لكي تصير شريكة تتعامل مع المعادلة الصينية –السودانية ولا تعارضها . ابدي البروفيسور شان تشاؤماً إزاء مستقبل الجنوب فكتب :"ليس هناك ما يضمن ان الجنوب سوف يستقر ،وهناك ضمان قليل للغاية ان ينمي الجنوب مؤسساته الديمقراطية ،ولا يوجد احتمال قوي بان يتمكن الجنوب من معالجة نزاعاته المحلية "واصل يكتب ان بريطانيا وحدها لا تستطيع مساعدة الجنوب وعليها ان تدخل في شراكة حتي اذا استلزم ذلك التعاون مع الصين . أما البروفيسور أيان تيلر فقد اذمته الاكاديمية عندما كتب بصراحة ان النقد الذي يوجه لعلاقات الصين بإفريقيا وبالسودان يتجذر في المنافسة التجارية وفي التخوف من ان استثمارات الصين تمثل ثغولاً علي مناطق بها مصالح اقتصادية قديمة لآخرين ..وهذا هو ما يفسر جزئيا إثارة قضايا مثل "حقوق الإنسان "بصورة مفاجئة عند مناقشة علاقة مثل "حقوق الإنسان "بصورة مفاجئة عند مناقشة علاقة الصين بإفريقيا ..المهم هنا ما يسجله هذا الباحث الأمين من ان إثارة قضايا حقوق الإنسان ليست معزولة من صراعات ومنافسات السياسة الدولية وأنها لا تشن "لوجه الله "بصورة مثالية خالية من الغرض ،لكن البروفيسور تيلر لجا لأسلوب انتقائي في عرض الكثير من المسائل المتعلقة بالسودان ..فهو يذكر لجنة التحقيق الدولية حول دارفور التي شكلتها الأممالمتحدة لكنه لا يذكر أنها لم تتوصل الي حدوث "إبادة جماعية "في دارفور ..وهو يذكر تفويض مجلس الأمن للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في موضوع السودان –دارفور لكنه لا يذكر ان ذلك استند علي الادعاء الكاذب بان الأزمة "تهدد السلام العالمي "لو قيل أنها تؤثر علي السودان كله او علي وسط أفريقيا لكان الادعاء اكثر قبولا . من المآخذ الأخرى علي شهادة بروفيسور تيلر انه لا يذكر ان موضوع المحكمة الجنائية الدولية كان من العوامل الرئيسية التي أطالت أمد نزاع دارفور ومعاناة النازحين ..من المستبعد ان يكون البروفيسور الخبير جاهلا بما قاله جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ "السينيت "الأمريكي وأوردته البوسطون هيرالد "17ابريل 2009م من ان المحكمة عقّدت الأمور "..ومن المستبعد ان يكون البروفيسور جاهلا بما قالته منظمة "مجموعة الأزمات –الدولية "وهي قريبة الي صانعي القرار في الغرب "لقد شجع قرا المحكمة الجنائية الدولية متمردي دارفور علي التعنت الأمر الذي قلل من احتمالات حدوث تقدم في الحلول الدبلوماسية ".."17يوليو 2009م "وقد توصلت منظمة افريكا فايلز للاستنتاج ذاته حينما كتبت :لقد ظن المتمردون وظنت المعارضة ان وقف البشير صار اضعف وادي ذلك الي تعنت في مواقفهم وعزوف عن التفاوض بصدق مع الحكومة "17/7/2009 م من زاوية إضافية نجد ان البروفيسور تيلر يتحدث عن الحملة ضد السودان ويصفها بأنها "حركة شعبية من الناس العاديين ". * وهذا غير صحيح ،ائتلاف انقاذ دارفور لم يكن حركة عفوية حسنة النية بل كان منظما وممولاً بسخاء من اللوبي الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة "كما أكدت صحيفة جيرو ساليم بوست الإسرائيلية اليمينية -27ابريل 2006". والمدهش ان البروفيسور ناقش موضوع دارفور والصين وحقوق الإنسان ولم يشر في قائمة المراجع التي سجلها في نهاية شهادته الي مؤلفات اليكس دي وال وجولي فلنت ومحمود محمداني وهم أكثر الخبراء عدلا ودقة في هذه المواضيع .كشف اليكس دي وال وجولي فلنت التناقض في موقف الغرب اذ شجع المحكمة الجنائية الدولية في الوقت الذي اعتمد فيه إزاء السودان سياسة تحقيق السلام بالمفاوضات والتحول الديمقراطي وليس تغيير النظام "الابزيرفر 13/7/2008م ". وقد قدمت شهادات مكتوبة أخري من أفراد ومن منظمات ..وهي منشورة بالحاسوب لكي تعم الفائدة ولكي تتخذ القرارات بعيون مفتوحة والمام بمختلف التيارات والاحتمالات . نقلا عن صحيفة اخر لحظة بتاريخ :11/4/2011