في مدينة أم درمان، وبمجرد أن تنطق عظمة لسانك تاريخ العاشر من مايو، فذلك سبب كافٍ لأن يقاطعك أحد سكانها قاصاً عليك تفاصيل وحكايا هجوم حركة العدل والمساواة على العاصمة الوطنية قبل مغيب شمس أحد أيام سبتها العام 2008م. حتى وإن كان مقصدك من ذكر التاريخ -هنا- مغايراً جداً، نحو أرسال رقاع الدعوة لمن قاطعك ومن معه بصورة مبكرة لحضور مناسبة تخصك وتصادف العاشر من مايو، وفي رأسك قطع الطريق أمام أي أعذار وحجج معلقة على مشجب الزمن. وإن كان طبيعياً للذاكرة الأمدرمانية أحتفاظها بذلك التاريخ (يمكن أن نمنحه من الألوان، الأسود على غرار تواريخ شبيهة) لكونه دارت فيه رحى معركة ضارية عبر أزقتها ودورها وشوارعها(وزنقاتها)، فإن ذات التاريخ وذات اللون ينطليان على حركة العدل والمساواة التي مثلّ لها الهجوم على أم درمان علامة فارقة في تاريخها لدرجة يمكن أن نؤرخ فيها لحركة د. خليل إبراهيم بقبل وبعد العاشر من مايو 2008م. وإن حققت الحركة بعض الكسب السياسي بأنتقالها لمنبر تفاوض دارفور في العاصمة القطرية الدوحة باعتبارها الجسم العسكري الأوحد الذي يقف قبالة الحكومة في الأقليم وفي طاولات التفاوض، أعتماداً على ذراعها الطويل. نجدها قد خسرت الكثير من الناحية العسكرية، بل وبات بعض المحللين العسكريين يرون في عملية (الذراع الطويل) خطوة إنتحارية من الدرجة (أ) أستنفدت معها الحركة معظم قدراتها، ووقودها البشري، وعوضاً عن نقلها المعركة لميادين الخرطوم، أنتهت الحركة بالدفاع عن حصونها المملوكة لحين من الدهر في أقليم دارفور الذي يشهد نزاعاً مسلحاً أنطلقت شرارته العام 2003م، وذلك بعد أن أصبح شعار القوات المسلحة عقب الهجوم على أم درمان (اليوم نغزوهم ولا يغزوننا). بعدها، أى بعد العاشر من مايو، بدت العدل والمساواة في فقدان معاقلها واحداً تلو الآخر -وكما يقول علماء الكيمياء - في سلسلة تفاعلية للنزيف يبدو أنها لم تصل نهايتها بعد. أخر معقل نزفته الحركة لصالح أوردة القوات المسلحة، كان معقلها الرئيس في (شبر كارو) يوم الجمعة. ولعل صفة معقل رئيسي بحسب توصيف القوات المسلحة نابع من أحتوائه على أكبر مستشفيات العدل والمساواة، بجانب ضمه لورشها اللوجستية لأمداد وصيانة الآليات والمدرعات العاملة في الخطوط الأمامية. أما عن جغرافيا المعقل فهو يقع في ولاية شمال دارفور وتحديداً شمال (وادي هور) وجوار منطقة (كرنوي)، وشبر كارو غابة كبيرة جداً، ما جعلها وجهة لقطاع الطرق خلال فترات سابقة. أما وادي هور، المفتوح على الصحراء، وقريب من الحدود الليبية، بحسب حديث سابق للعقيد الصوارمي خالد سعد الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة مع (الرأي العام)، فإنه بات الملاذ الوحيد للحركات المسلحة، وذلك لكونه نقطة أمداد مهمة للعدل والمساواة ونظيراتها. نقطة فقدت دورها حالياً وتقهقرت بشدة جراء أنشغال القذافي بانكفائه على الداخل المأزوم. وبالتالي فإن تأكيدات الصوارمي بأن القوات المسلحة تسيطر على كامل دارفور هي اليوم أقرب للواقع والصواب من اي وقت مضى. وبالعودة لسلسلة النزيف، نلقى أن حديث الصوارمي القاطع، الذي أشرنا اليه آنفاً، أتى عقب معركة الكوما (يوليو 2010م)، واستيلاء القوات المسلحة على جبال عدولة التي تتوسط دارفور وتعد ملتقى عدة طرق تجارية. الخسارة الأفدح للعدل والمساواة، كانت خسرانها لجبل مون بولاية غرب دارفور، وشمالي عاصمتها الجنينة. ووجه الخسارة في أن الجيش أستولى على المنطقة التي تربط الجنينة وكلبس والطينة وتعد حلقة وصل أساسية بين السودان وتشاد وذلك في عز شهر عسل الحركة وأنجمينا العام 2008م. وشهد ذات العام 2008م، وبعيد أشهر من عملية الذراع الطويل، فقدان العدل والمساواة كذلك لعدة معاقل مهمة، فالقوات المسلحة نقلت نفسها بسرعة لخانة الهجوم، وضربت الحركة في أم جرس، وصليعة، وسربا، وأبوسروج، ود جنجا. ولمعرفة الدواعي التي تجعل الحكومة متعلقة بتوصيف معقل استراتيجي في معظم المناطق التي تحوذ عليها. اتصلت الصحيفة باللواء د. محمد العباس الأمين استاذ العلوم السياسية والمحلل الاستراتيجي بجامعة الزعيم الأزهري. العباس أشار إلى اتخاذ المجموعات التي تخوض حروباً للعصابات، عدة مقرات، قال إن معظمها بعيدة، وفي مناطق شبه مغلقة بالمؤيدين (يبرز هنا عاملا القبيلة واللغة حيث يتم التعامل مع الغرباء على أنهم جواسيس). لذلك تعتبر معاقل استراتيجية. ومن ثم قسم العباس مقرات المجموعات التي تخوض حروب العصابات ل : مجهزة لأدارة وتخطيط المعارك، مجهزة لتكون بديلا لمعاقل مخافة أنسرابها من اليد، أو مجرد نقاط تجمع والتقاء يسهل الرجوع اليها بالنسبة للمجموعات الضاربة في الأرض وفقاً لقوانين حروب العصابات المتعارف عليها في كل التجارب العالمية مثل كوريا والصين وفيتنام. وعن الطريقة العسكرية المثلى للقضاء على المجموعات التي تلتزم بحروب العصابات كتكتيك عسكري، أكد العباس أن ضرب مراكز أعاشة تلك الجماعات مع قطع خطوط الامداد وتجفيف بؤر مؤيديها هو السبيل الأمثل للقضاء عليها. وأشار إلى مزية مهمة للقوات المسلحة على حساب الحركات وهي قدرتها على تعويض الكادر المفقود من كل أنحاء البلاد، وذلك في وقت تلاقي فيه الحركات عنتاً شديداً في تجنيد منسوبين جدد. وما وضع العدل والمساواة بين المطرقة والسندان، المقاربة التاريخية بين نظامي الخرطوم وانجمينا لجهة تعلية المصالح بين العاصمتين، وهبوب رياح التغيير في ليبيا (داعماً رئيساً للعدل والمساواة ومقراً سابقاً لرئيسها) ما أنعكس برداً وسلاماً على السودان، فضلاَ عن استثمار القوات المسلحة لتلك العوامل لبسط سيطرتها على كامل الأقليم. وعن مسار الحل، يرى عبد الله آدم خاطر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الدارفوري، أنه لا مفر من الحوار بين الحكومة ومعارضيها لوضع أوزار الحرب في الأقليم الغربي خاصة وأن حروب الكر والفر تمتد لزمن طويل فيما يدفع فاتورتها الجميع. وكما هو معلوم للجميع، فأن الحكومة وضعت استراتيجية متكاملة لحل أزمة دارفور، أستراتيجية تتأسس على الحوار والتفاوض. ولكن ومن المعلوم بالضرورة -كذلك- بإن الانتصارات العسكرية على الأرض (خاصة أن كانت في حالات الرد والدفاع) تقوي المواقف التفاوضية وتخفض من سقوف مطالب العدل والمساواة التي خسرت الكثير من الأراضي، وبالطبع الكثير من الكروت الرابحة. نقلا عن صحيفة الراي العام بتاريخ :18/4/2011