ارتكبت السلطات الايرانية كارثة استراتيجية بإقدامها على احتلال بئر نفطية في منطقة الفكة قرب مدينة العمارة جنوب العراق، لأن الاضرار الاقليمية والدولية التي يمكن ان تلحق بها من جراء هذه الخطوة اكبر بكثير مما يتصوره اعداء ايران. فإقدام قوات ايرانية على احتلال البئر، وفي مثل هذا التوقيت، ورفع العلم الايراني فوقها قدم الكثير من الذخيرة الفتاكة لكل المتربصين بالقيادة الايرانية داخل العراق وخارجه، وما اكثرهم هذه الايام. صحيح ان السلطات الايرانية صححت هذه الكارثة جزئيا بسحب قواتها من المنطقة، ولكن الجرح الغائر الذي تركه هذا الاحتلال غير المبرر، والمدان، سيصعب علاجه بسهولة، وربما تظل آثاره لسنوات قادمة. السفير الايراني في بغداد حسن كاظمي خرج عن صمته بعد ايام من وقوع هذه الحادثة، ونفى أمس قيام قوات ايرانية باحتلال البئر المذكورة، وحمل القوات العراقية مسؤولية هذه الأزمة، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن عدم اقدامه، او أي مسؤول ايراني رفيع على اعلان هذا النفي في ذروة الأزمة. لا نستغرب ان تكون هناك بعض الجهات المرتبطة بالمشروع الامريكي داخل العراق تريد توريط ايران في مواجهة مع العراق او القوات الامريكية المرابطة فيه، ولا بد ان القيادة الايرانية على وعي بمثل هذه المخططات، او هكذا نفترض، الأمر الذي يحتم عليها ان تمتنع عن توفير الحجج والذرائع لمثل هذه الجهات لقطع الطريق على مخططاتها هذه. الخلافات الايرانية الحدودية مع العراق معروفة وندرك جيدا ان هناك مطامح ايرانية بتعديل الحدود لمصلحة طهران. ولا نبالغ اذا قلنا ان ايران وجدت نفسها المستفيد الاكبر من الاحتلال الامريكي لهذا البلد وتنصيب حلفائها في سدة الحكم فيه، فايران لا تريد عراقا قويا موحدا متماسكا، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن مبرر اقدامها على هذه الخطوة، وهي تدرك جيدا انها ستضعف هؤلاء الحلفاء، وتعزز خصومهم بالتالي. نخشى ان يكون غرور القوة قد اعمى بصيرة القيادة الايرانية، ودفعها الى التصرف بطرق غير حكيمة تفتقر الى العقل والمنطق، بحيث تزيد من قائمة الأعداء، وتخسر العديد من الاصدقاء او الحلفاء بالتالي. ان احتلال بئر الفكة في جنوب العراق هو أثمن هدية يمكن ان تقدمها السلطات الايرانية الى الولاياتالمتحدةالامريكية، التي لا تخفي نواياها في فرض حصار اقتصادي خانق على ايران يمهد لضربة عسكرية في مرحلة لاحقة. وربما يجادل بعض المسؤولين الايرانيين بأنهم يملكون اسباب القوة التي تجعلهم يتعايشون مع هذا الحصار في حال فرضه وافشال مفعوله، والتصدي في الوقت نفسه لأي عدوان امريكي واسرائيلي، فإذا كان الحال كذلك فإنه من غير المناسب الإقدام على أي خطوات من شأنها تأليب الرأي العام العربي ضد ايران، وتأكيد المقولات التي تتحدث عن عدائها للعرب وأطماعها في العراق بالتالي. احتلال البئر النفطية الذي أكده وكيل وزير الخارجية العراقي والمسؤولون في محافظة ميسان، حيث تقع البئر، خطأ استراتيجي كبير يعكس قراءة خاطئة لما يجري في المنطقة من مخططات تستهدف ايران من قبل القوات الامريكية المرابطة في افغانستان شرق ايران وفي العراق غربها، واذا صحت التقارير التي تقول ان القوات الايرانية ما زالت مرابطة في المنطقة ولم تنسحب كليا فإن الخسارة الايرانية ربما تكون مضاعفة.