هتافات إظهار الصلابة والشدة التي رددها بحماس ملحوظ أثناء الحملة الانتخابية هتيفة الشريكين في ولاية جنوب كردفان، (يا هارون يا القيامة) كما يقول هتاف المؤتمر الوطني، و(يا النجمة يا الهجمة) كما يقول هتاف الحركة الشعبية بالولاية عقب استيراده من هتيفة عقار بالنيل الأزرق، وغيرهما من الشعارات التي أنطلقت من الحناجر كيفما اتفق إبان الحملة الانتخابية، بدت أشبه بأحاديث الاستهلاك السياسي والتهويش، ففي النهاية، مرت أيام التصويت دون أحداث عنف تذكر، بينما يوحي هدوء الحركة أثناء التصويت، بأن ذات الهدوء سيستمر على الأرجح بعد ظهور النتائج الأولية، ولو خسر مرشحها وفاز هارون، دون أن تترجم الحركة خسارة نجمتها في الانتخابات إلى هجمة. المؤشرات الأولية، والتوقعات، ترجح حتى الآن تغلب مولانا على خصمه الحلو، ما يدفع للتساؤل عن مستقبل شراكة الوطني والشعبية عقب الانتخابات، هل ستنتهي تلك الشراكة أم ستستمر في جلد جديد؟ رغم الفوز المتوقع، الذي تنبأ به المتابعون منذ وقت باكر، فإن (هجمة) الحركة الشعبية إذا خسرت الانتخابات تبقي حاضرة في ذهن مولانا، وفي تصريحاته كذلك، من قبل أن تبدأ عملية التصويت حتى، ناهيك عن مرحلة ما بعد إعلان النتائج، فمولانا، وضع الإبقاء على تحالفه مع الحركة الشعبية ضمن قائمة أولويات برنامجه الانتخابي، عندما ضمن الخطوة في وعد انتخابي حمل لافتة براقة (تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة بعد الفوز)، ولا تعني القاعدة العريضة في جنوب كردفان في واقع الأمر شيئاً غير الفريق عبد العزيز الحلو والحركة الشعبية كما يقول العارفون ببواطن الأمور، فلا توجد بالولاية معارضة منظمة تذكر، باستثناء وجود لحزب الأمة القومي، يصفه البعض بالهزيل. اعتزام هارون إشراك صديقه السابق عبد العزيز الحلو في (كيكته) الانتخابية، ليس كفيلاً وحده بصد (هجمة) الحركة الشعبية، فتلك الهجمة قادمة على كل حال كما يتوقع البعض، ووفقاً لهؤلاء، فإن الحركة ستقدم على نوع من التصعيد السياسي والإعلامي، والجماهيري، عبر تنظيم مسيرات، وإطلاق اتهامات بتزوير الانتخابات ووقوع تجاوزات، تمهيداً للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع مولانا من موقع قوة احتجاجية، تضمن للحركة نصيباً لا بأس به من السلطة والثروة في المفاوضات الانتخابية، بعد فقدان نصيبها المكتوب في القسمة النيفاشية بفعل انتهاء صلاحية قسمة اتفاقية السلام بإجراء الانتخابات. خسارة الحلو، وفصيل الحركة الذي يقوده في جنوب كردفان، إذا تأكدت، تطرح الأسئلة حول مستقبل الرجل والفصيل كليهما، فهجرة أتباع الحركة إلى المؤتمر الوطني بدأت قبل الانتخابات، وربما تتصاعد بعد أية هزيمة انتخابية للحركة، ما يجعل مستقبل الحلو السياسي يتراوح بين خيارين، إما التفرغ للعب أدوار خارج الولاية، من موقعه في تنظيم الحركة الشعبية بالشمال، كنائب لرئيسها عقار، أو القبول بلعب دور الرجل الثاني، وربما الثالث أو الرابع داخل جنوب كردفان، بعد مولانا أحمد هارون. مشاكل مولانا ما بعد الفوز، إن فاز بالفعل، لن تقتصر على إيجاد صيغة ما لإشراك الحركة والحلو، بل تتعداها إلى ولاية غرب كردفان التي وعد الوطني بإعادتها حال فوزه، فالبعض يرى أن إعادة هذه الولاية ستجعل موقف الوطني ضعيفاً في ما تبقى من ولاية جنوب كردفان، على اعتبار أن أغلبيتها الساحقة ستكون من المجموعات السكانية المحسوبة على الحركة. في المقابل، فإن فوز الحلو، وإن كان مستبعداً وفق المؤشرات الأولية، والتكهنات، سيدخل هارون في وضعية غير مألوفة بالنسبة له، وربما يخفض من اسهمه خاصة في المركز الذي سانده بقوة، ففقدان المؤتمر الوطني لمنصب والي النيل الأزرق، ومنصب والي جنوب كردفان أيضاً، سيكون خسارة صعبة الهضم بالنسبة لقيادات الوطني في الخرطوم، ويلقي بظلال سالبة على موقف الوطني من النزاع على منطقة أبيي المتاخمة لجنوب كردفان. الحلو بدوره، وعد من جانبه أثناء حملته الانتخابية بتشكيل حكومة يشارك فيها الجميع في حالة فوزه، والجميع هنا أيضاً لا تعني سوى الشريك السابق، المؤتمر الوطني وزعيمه في الولاية أحمد هارون. وعد مولانا بتشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة، ووعد الحلو بفعل ذات الشيء، حال الفوز، يراه البعض مجرد جزء من الدعاية الانتخابية ومحاولة لتهدئة الأجواء أكثر منه خياراً عملياً، لكن مكي على بلايل رئيس حزب العدالة الأصل والمرشح السابق لمنصب والي الولاية يقول إن كلا الوعدين منطقيين من الناحية النظرية، خاصة وأن الشراكة بين الوطني والحركة استمرت بعد الانتخابات في المركز نفسه، ناهيك عن المستوى الولائي، ويضيف بلايل أن المحك الحقيقي لكلا الوعدين هو مناخ ما بعد إعلان النتيجة. بوادر صفقة ما بعد الانتخابات بين هارون والحلو، تعضد الرأي القائل بأن كلا الجانبين يدرك جيداً أنه عاجز عن فرض سيطرته على الولاية وإدارتها دون إبرام تسوية ما مع الطرف الآخر، بغض النظر عن الانتخابات. التلويح بجزء من كعكة السلطة للطرف الخاسر في الانتخابات، سواء كان الحلو أو هارون، والوطني أو الحركة، ربما يكون الطريقة الوحيدة لتأمين ظهر الفائز، وامتصاص غضب الطرف الخاسر، لكن السؤال الذي يبقي قائماً، هل يكفي جزء من الكعكة لإخماد حنق الطرف المهزوم، أم أن طعم الهزيمة الانتخابية ومرارتها قد يدفع الخاسر إلى محاولة هدم المعبد بكامله، وإشعال القيامة إن كان الخاسر مولانا، أو شن الهجمة إن كان الحلو؟. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 9/5/2011م