لاشك ان لتصرفات سوزان رايس اثراً كبيراً على التوترات التى حدثت اخيرا بمنطقة ابيى. فلا يعقل ان يحرض نسور الحركة على عمل أحمق مثل كمين ابيى و قتل (22) جندياً سودانياً فى هجوم عنيف بالاسلحة الثقيلة دون ضمان سند معنوى على الصعيد الدولى وهذا السند هو سوزان رايس. و سأشرح لكم لاحقا علاقة سوزان رايس بنسور الحركة و تعويقها لعمل مجلس الامن. و لكن هاكم اولا الدليل على ان سوزان رايس لا تأسف او قل تؤيد مقتل (22) من جنودنا بأبيى. قبل نحو يومين اصدرت سوزان رايس بياناً صاغته بدقة متناهية تدين فيه كمين ابيى، و كلنا نعلم ان رايس رفضت رفضاً باتاً ادانة هذا الكمين فى بداية الامر و انما ابدت قلقها او شيئاً من هذا القبيل قبل مجيئها الى السودان ، المهم اضطرت رايس الى ادانة كمين ابيى و لكن الصيغة التى صدر بها البيان تؤكد ان رايس لا تدين قتل افراد قواتنا المسلحة انما تدين الهجوم على قوات اليوناميس و قد صيغ بيان الادانة هذا بعناية بحيث يتفادى أىة ادانة لمقتل جنودنا فى كمين ابيى فالبيان الذى اصدرته رايس يقول: The members of the Security Council condemn the attack by Southern forces against a United» Nations Mission in Sudan (UNMIS) convoy escorting Sudanese Armed Forces elements of Joint Integrated Units on May 19 in Abyei «يدين اعضاء مجلس الامن الهجوم الذى شنته القوات الجنوبية على قوات اليوناميس عند مرافقتها لعناصر من القوات المسلحة السودانية الخ».. اذاً صيغة البيان تؤكد ان الهجوم كان ضد اليونميس و هى تؤدى عملا ما و هو مرافقة عناصر من القوات السودانية و ترفض رايس ان تذكر ان الهجوم تم اساسا على هذه العناصر. و لكى اؤكد لكم تعمد رايس فى تفادى ادانة مقتل جنود القوات المسلحة تابعوا البيان الى آخره ، يقول بيان رايس: The attack was not only a serious breach of agreements between the parties, but also a criminal» act against a United Nations mission and its personnel,» «ان هذا الهجوم لا يمثل فقط خرقا للاتفاق بين الجانبين بل جريمة ضد بعثة الاممالمتحدة و منسوبيها» مما يعنى انها لا تعتبره جريمة ضد القوات المسلحة. و السؤال: لماذا تفادت رايس ادانة الهجوم على القوات المسلحة او حتى ابداء الاسف لمقتل (22) جندياً بريئاً فى ابيى؟ الاجابة قطعا هى الأسس التى تبنى عليها رايس سياستها نحو السودان..فرايس لديها هدف واحد هو محاربة حكومة الخرطوم و التحالف مع اعداء الخرطوم حتى النصر ، لذلك تم تزاوج بين رايس ونسور الحركة الذين حرضوا على كمين ابيى تزامنا مع وصول رايس و هذا يبرر رفض رايس لادانة مقتل جنود القوات المسلحة. اذاً وجود رايس ضمن بعثة الامن اصبح ضرراً على البعثة نفسها فهى تضع نفسها فى مقدمة البعثة و فرض سياستها على نشاط البعثة فى الخرطوم و الخرطوم.. تعلم ان رايس تأتى لدعم سياسة نسور الحركة الشعبية لا مجلس الأمن..ان تصرفات رايس و دعمها لنسور الحركة لم تتضرر منه بعثة مجلس الامن وحدها بل اضر بسياسة الولاياتالمتحدة نفسها نحو السودان و لكى نفهم هذا علينا ان نعرف كيف تمت المزاوجة بين سياسة رايس و نسور الحركة؟ كتبنا فى مقال سابق انه عندما عيَّن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرايشون مبعوثاً للسودان في مارس 2010 وقرر قرايشون أن يكون أكثر جرأة من ناتسيوس (المبعوث السابق) جاهر بأنه لا يجد حرجاً في التحدث والتعامل مع حكومة الخرطوم إذا كان الهدف هو الوصول إلى حلول لمشكلات السودان من وجهة نظر أمريكية.. فأحدثت تلك السياسة جَلَبَة كبيرة في وزارة الخارجية الامريكية وكاد الأمر يُحدث شرخاً بين وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وأوباما عندما أعلن الأخير ما سمَّاه «الاستراتيجية الشاملة للتعامل مع السودان» في أكتوبر 2010 فأحس الكثيرون من دعاة التشدد مع السودان بأن تلك الاستراتيجية ما هي إلا تراخٍ في التعامل الحاسم مع حكومة الخرطوم وما هي إلا نتاج لسياسة قرايشون المتهادنة مع حكومة الخرطوم فاحتجت كلينتون بشدة قائلة بأن أوباما ومجموعة من الجنرالات المتقاعدين أصبحوا يديرون مهام وزارة الخارجية.. فقررت كلينتون اتباع معسكر النساء في تبني سياستها نحو السودان.. فهذا المعسكر النسوي نشأ في أحضان الأم الروحية مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية في عهد كلينتون) وترعرع في عهد كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية السابقة) وأصبحت تقوده الآن سوزان رايس وقد لا يعلم الجميع أنه في مارس 2008 عندما طردت الحكومة السودانية المنظمات الأجنبية دفعت سوزان رايس - بصفتها مستشارة للرئيس أوباما حينها- مقترحاً إلى أوباما يقضي بتوجيه ضربة جوية عاجلة إلى السودان، إلا أن أوباما لم يتحمس للأمر.. عموماً خفت الصوت النسوي المتشدِّد عندما نجح قرايشون في جعل سياسته تبدو مقبولة ومتزنة.. ولكن فجأة تجددت آمال الفريق المتشدد مرة أخرى عندما عرضت الحركة الشعبية على هذا الفريق امكاناتها في تدمير وعرقلة المؤتمر الوطني.. فباقان أموم الذي تردد على أمريكا مؤخرًا أصبح يغازل هذا الفريق بعد أن أحس تقاعساً من قِبل قرايشون وزمرته.. فارتفعت أسهم باقان لدى هذا الفريق و تجددت آماله مرة أخرى، وعادت سوزان رايس إلى الواجهة مرة أخرى في الشأن السوداني. يمكننا القول بوجود أكثر من فريق للسياسة الامريكية نحو السودان..هناك سياسة رسمية باهتة تتمثل فى عمل مقيد للمبعوثين مثل قرايشون و خليفته، و هناك سياسة متشددة يقودها فريق رايس، فالفريق الاول يتعامل عبر القنوات الرسمية للولايات المتحدة، اما الفريق الثانى فهو يتعامل مباشرة مع نسور الحركة الذين يسافرون بين الفينة و الاخرى للولايات المتحدة لتفادى التعامل عبر قنوات الفريق الأول - اعنى قرايشون و خليفته- ، ان الدعم المعنوى القوى الذى تعطيه رايس لنسور الحركة هو الذى جعلهم يتخطون رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت و يحرضون على هجوم أبيى .. ان اندفاع رايس خلف هذا الفريق لن يضر فقط باتفاقية السلام بل ايضا باستقرار الجنوب و سياسة امريكا نحو الجنوب ، و السبب ان نسور الحركة يصورون سهولة القضاء على المؤتمر الوطنى لكل من أراد التحالف معهم و منهم رايس فيندفع حلفاؤهم على ضوء تلك المزاعم، بينما للنسور هم واحد و هو السيطرة على ابيى مستفيدين من اندفاع الحلفاء.. اذاً كمين ابيى لم يتم بمعزل عن قدوم رايس الى السودان. لقد نفض اصدقاء السلام أيديهم عن جنوب السودان و مشاكله ، فكثير منهم يدرك أن ولادة الدولة الجديدة سيكلف أموالاً طائلة ، انظروا الى الدور البريطانى الذى تقهقر الى الصفوف الخلفية..اذاً الولاياتالمتحدة هى التى ستدفع أكثر لاستقرار الدولة الجديدة. ويبقى السؤال: هل يمكن لامريكا انجاز الاستقرار فى الجنوب و انجاز عكسه فى الشمال؟ يمكن ان تكون الاجابة نعم لكن حتما ستكون الفاتورة أكبر بكثير لانه بدا واضحا للكل ان جنوب السودان سيظل معتمدا على الشمال لفترة لا تقل عن خمس سنوات فى الفترة المقبلة. المملكة المتحدة نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 30/5/2011م