تدأب “إسرائيل" على تبرير كل اعتداءاتها، وعمليات التهويد والاستيطان التي تقوم بها، وسياساتها المتعلقة بالتسوية التي تتحدث عن دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وعن وجود عسكري على الحدود الأردنية، ورفض حق العودة. . بأن كل ذلك هدفه حماية أمنها . وتذهب الولاياتالمتحدة ومعها بعض الدول الغربية، إلى تأييد هذا المنطق باعتبار أن أمن “إسرائيل" هو الأساس في كل ما يتعلق بالمنطقة، وبمسألة الصراع العربي “الإسرائيلي"، إلى درجة أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة ترى أن أمن “إسرائيل" جزء من أمنها القومي . بهذا المعنى، فإن كل ما تقوم به “إسرائيل" من توسع واعتداءات واستيطان، وتجاهل لحقوق الشعب الفلسطيني، وانتهاك لقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالانسحاب من الأراضي المحتلة، يحظى بدعم وتأييد الولاياتالمتحدة والدول الغربية، لأنه يتم تحت عنوان “أمن إسرائيل" . إن مفهوم “أمن إسرائيل" مفهوم مطاط وعابر للحدود العربية، طالما هو يستند إلى منطق القوة لتثبيت أمر واقع ينسجم مع المخططات الصهيونية، لذلك فإن “إسرائيل" هي “الدولة" الوحيدة في العالم التي لم تعيّن حدودها، لأن تعيين الحدود يفترض إضفاء شرعية على هذه الحدود، لذلك عمدت إلى إبقاء مسألة الحدود مرتبطة بأمنها، باعتبار أنها تمتلك أكثر القدرات العسكرية في الشرق الأوسط قوة وتفوقاً، ومن خلالها يمكنها أن تفرض الحدود التي تريدها وفي الزمان والاتجاه الذي تريده . هذا منطق وفلسفة كل قادة الكيان منذ إنشائه حتى الآن، ذلك أن رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون كان يرى أن حدود “إسرائيل" تقف حيث تتوقف الدبابات “الإسرائيلية"، أي أن مدى الحدود واتساعها مرتبط بالقوة ونتائج الحرب . أما نتنياهو فقد تشرب منذ طفولته تفسير والده السكرتير الشخصي لزئيف جابوتينسكي للتاريخ اليهودي القائم على مبدأ العودة إلى “الأرض التوراتية"، والذي يقول إن على “الأمة الإسرائيلية" أن تقيم جداراً حديدياً من القوة اليهودية لردع أعدائها إلى الأبد، وهذا الجدار يحدده مفهوم الأمن “الإسرائيلي" المفتوح الشهية على التوسع والعدوان طالما كان ذلك متاحاً . أما موشي دايان الذي لم يكن أقل تطرفاً من هؤلاء، فقد قال “من دون الخوذة الفولاذية ونيران المدافع، فلن نكون قادرين على غرس نبتة أو بناء جدار"، لكنه عاد بعد حرب أكتوبر 1973 التي اكتوى بنارها، وأدرك أن القوة لا تصنع حدوداً آمنة، عاد وأصدر كتاباً بعنوان “هل نحن محكوم علينا حقاً أن نحيا بالسيف إلى أبد الآبدين؟" . إن قادة الكيان الصهيوني لم يصلوا بعد إلى مرحلة يدركون فيها أن العدوان لا يصنع حدوداً آمنة، فمع تطور الأسلحة والقدرة على امتلاكها، وبوجود الصواريخ بعيدة المدى، فَقَد مفهوم الأمن والسيادة معناه التقليدي، ولم يعد بمقدور أية قوة أن تدافع عن حدودها . و"لكي تكون الحدود قابلة للدفاع عنها، فلا بد أن تكون شرعية ومعترفاً بها دولياً في المقام الأول، ولن يصبح وجود “إسرائيل" آمناً قبل أن تعيش داخل حدود معترف بها، وقبل أن ينتهي الاحتلال ويسترد الفلسطينيون كرامتهم كأمة"، على حد قول شلومو بن عامي وزير خارجية “إسرائيل" الأسبق . كذلك لم يدرك قادة الكيان حتى الآن أن تغيّر البيئة السياسية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة، بات يشكل تحدياً فعلياً لنظرية الأمن “الإسرائيلية"، وبما يفقدها كل المرتكزات التي قامت عليها . إن الزلزال العربي لا بد أن يترك تردداته على الساحة السياسية والأمنية في كل المنطقة، بما فيها الكيان الصهيوني . المصدر: الخليج 5/6/2011