مع بدء العد التنازلي لإعلان دولة جنوب السودان، في التاسع من يوليو القادم ، قال تقرير أممي – نشر أمس الأول - أن أكثر دول العالم تضرراً من ارتفاع أسعار الغذاء في الأعوام الثلاثة الأخيرة على التوالي هي السودان ثم باكستان و تنزانيا و تشاد و مالي وكينيا والهند، حيث تراوحت نسب الارتفاع في هذه الدول ما بين 41% إلى 56%، كما وصل عدد العمال الفقراء إلى 64 مليون عامل يتقاضون أقل من دولار وربع يومياً ، حسب إحصاءات البنك الدولي. وقال تقرير لإدارة الأممالمتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية:إن العالم شهد عامي 2008 و 2009 أسوأ أزمة اقتصادية و مالية منذ ثلاثينات القرن العشرين و هي الأزمة التي كانت لها آثار اجتماعية سلبية عديدة، أهمها تمثل في ارتفاع معدلات البطالة وتراجع التنمية، مما زاد من مشكلات العالم النامي الاجتماعية .ومع تسرب مثل تلك التقارير الدولية يبرز السؤال الملح وهو ما مدى حاجة اقتصاد الجنوب وإنسانه لمقومات السودان الشمالي. خاصة فيما يتعلق في مجال الغذاء وتجارة الحدود بينهما ؟. عجز مالي وفي بداية هذا العام أعلن برنامج الغذاء العالمي أن عدد الجياع في جنوب السودان تضاعف أربع مرات منذ شهر أغسطس الماضي بسبب الجفاف الذي ضرب المنطقة والنزاعات الداخلية. وقال البرنامج إن إجمالي عدد السكان المحتاجين للمعونات الغذائية في السودان وصل إلى نحو 11 مليون شخص وأن العجز المالي في ميزانية البرنامج المخصصة للسودان وصل إلى 485 مليون دولار.وصرح منسق البرنامج في جنوب السودان ليو فإن دير فيلدن أن الارتفاع الكبير في عدد الجياع جاء قبل فترة قصيرة من موسم الإمطار الذي يؤدي إلى قطع الطرقات بحيث يصعب إيصال المعونات الغذائية إلى المراكز السكانية. وأضاف أن الأممالمتحدة تحاول ضمان حصول السكان المحتاجين على ما يكفي من المعونات الغذائية حتى الموسم المقبل لجني المحاصيل في شهر أكتوبر. مجاعة وصراعات وعلى صعيد قريب أصدرت نائبة مدير منظمة الأممالمتحدة للطفولة "اليونيسيف"، هايلد جونسون، تحذيراً صارخاً بشأن احتمال تفشي المجاعة واندلاع موجة جديدة من الصراعات العرقية في جنوب السودان.وقالت جونسون التي زارت المنطقة – أواخر العام الماضي - إن أكثر من مليون شخص في جنوب السودان يعانون من الجوع.وأضافت المسئولة الأممية أن قلة الأمطار تهدد بتفاقم الأزمة التي تكاد تقترب الآن من وضع تفشي المجاعة.وقالت هيلد للصحفيين خلال زيارتها لولاية جونقلي المنتجة للنفط في جنوب السودان "هنا تهدد الأزمة أن تضرب بقوة". "إننا نشاهد بداية الأزمة في الوقت الراهن". وتابعت قائلة: "إذا لم نستطع معالجة الوضع بطريقة جيدة، فيمكن توقع مستويات مرتفعة ومرتفعة جداً من الجوع والتي يمكن أن تتحول إلى مجاعة". وحذرت جونسون من أن الوضع الحالي يمكن أن يؤدي إلى اندلاع نزاعات عرقية في ظل تنافس مجموعات مختلفة على الحصول على الماء والمرعى. وأضافت جونسون أن تراجع مستويات الأمطار يمكن أن يؤثر على موسم الحصاد الرئيسي في الجنوب والمتوقع حدوثه في أوائل السنة المقبلة. دواعي أمنية وقبل أيام قررت حكومة الجنوب فتح حدود الإقليم مع دول الجوار رداً على ما قالت إنه إغلاق متعمد من الخرطوم للحدود بين الشمال والجنوب، الأمر الذي أدى إلى شح في المواد الغذائية والسلع وارتفاع أسعارها في الجنوب. غير أن المؤتمر الوطني أكد أن عدم استتباب الأمن في بعض المناطق بالجنوب وراء إحجام التجار الشماليين عن إدخال البضائع إلى الإقليم، ونفى أمين الإعلام في الحزب البروفيسور إبراهيم غندور اتهامات الجنوب لحكومته بفرض حصار اقتصادي ومنع البضائع من العبور عبر المنافذ إلى الولاياتالجنوبية الحدودية، وقال طبقاً لفضائية الشروق لا مصلحة للشمال في فرض حصار اقتصادي على الجنوب كما أن الشمال يسعى إلى مصلحة مواطنيه ومصلحة أهله في الجنوب، وقال: إن ما يمنع التجار من الذهاب جنوباً هو تدخلات الجيش الشعبي وما تعرضت له البواخر النيلية من سلطات الجنوب. وقال على حكومة الجنوب قبل أن تطلق الاتهامات عليها أن تراجع ما يجري في بعض المناطق المتاخمة للشمال. ترتيب معين لكن وزير التعاون الدولي في حكومة الجنوب دينق ألور هاجم مبررات غندور وقال إنها غير صحيحة، وأكد في تصريحات لصحيفة الحياة اللندنية تراكم عشرات الشاحنات المحملة بالأغذية على الشريط الحدودي بعد منعها من سلطات الشمال من العبور جنوباً نافياً اعتراض الجيش الشعبي للتجار، وأشار إلى وجود آلاف التجار في الجنوب وفي القرى الثانية من دون أن يتعرض لهم أحد واعتبر ألور ما حدث محاولة فاشلة لإثارة المواطنين ضد حكومة الجنوب، وزاد وضعنا خطة بديلة بجانب أن حكومة الجنوب قررت فتح كل الحدود مع الدول المجاورة وكلفت وزارة التجارة بالبلاد في إجراء اتصالات مع دول الجوار وأشار إلى أن موقف الخرطوم سيأتي بنتائج عكسية على العلاقة بين الشمال والجنوب. و تجري حكومة الجنوب مفاوضات مع الحكومة الكينية للخروج بترتيب معين للتزود بالوقود.. وكشفت عدة صحف مؤخراً أن ارتفاع الأسعار في الولاياتالجنوبية بشكل مضاعف أدى إلى عودة أعداد كبيرة من الجنوبيين للشمال مرة أخرى في أعقاب برنامج العودة الطوعية الذي قامت به حكومة الجنوب لإعادة جنوبيي الشمال لمناطقهم بالجنوب، وأشارت إلى أن عدداً من المواطنين الجنوبيين بالشمال أكدوا عدم عودتهم للجنوب. وحسب التقارير المنشورة فإن رطل السكر ارتفع سعره ل (9) جنيهات، فيما بلغ سعر جوال الذرة (600) جنيه. نقص حاد و أدى النقص الحاد في المواد الغذائية إلى ارتفاع الأسعار في أغلب الأسواق في كافة مناطق الجنوب السودان، ويُعزى النقص في الوقود إلى إغلاق طرق التجارة الرئيسية بين الشمال والجنوب. فالشاحنات التي كانت تنقل الوقود بشكل منتظم إلى مدن الجنوب لم يظهر لها أثر منذ أسبوع على الأقل، ولم ترسُ أي سفينة للشحن في مرافئ المدن المطلة على نهر النيل مثل ملكال أو بور، عاصمة ولاية جونقلي. وتأثرت ولاية شمال بحر الغزال بشكل خاص جراء ارتفاع أسعار المواد الغذائية. في سوق وانجوك في مقاطعة شرق أويل، وبلغ سعر كيس الذرة البيضاء بوزن 5 كيلوغرام ارتفع من 4 إلى 6 جنيهات سودانية، أو من 1,50 إلى 1,90 دولار أمريكي في غضون بضعة أيام. والنقص في الوقود يرفع أيضاً الأسعار في محطات الوقود. ففي بور، ارتفعت تكلفة كل عشرين لتر من (البنزين) من 70 إلى 80 جنيهاً، أو من 26 إلى 30 دولاراً، في غضون أسبوع. وفي رُمبيك، عاصمة ولاية البحيرات، ارتفع لتر (البنزين) من أقل من 2 جنيه إلى 5 جنيهات، أو من 1,50 دولاراً إلى ما يقارب الدولارين.وفي حين يحصل بعض تجار الوقود على البترول من شرق أفريقيا، فإن أغلب الكميات تأتي من شمال السودان حيث الأسعار أرخص، لكن حكومة الخرطوم أغلقت الآن طرق التجارة إلى الجنوب. ضعف مقدرات ويعزي كثير من المراقبين الأزمة في جنوب السودان إلى ضعف المقدرات المتاحة في مجال الإدارة المالية بالجنوب على مستوى الحكومة فيه وهي التي أشير إليها مراراً على أنها العقبة التي تقف أمام زيادة فعالية تخصيص الموارد واستخدامها بالجنوب، وهذا الضعف جعل كثيرين في الشمال والجنوب يطالبون بزيادة السيطرة المركزية على الموارد في الجنوب وتوجيهها بالشكل الذي يخدم التنمية والحفاظ على الموارد المالية الأخرى التي لم تستطع حكومة الجنوب استثمارها منذ بداية تنفيذ الاتفاقية لأن حكومة الجنوب حسب مراقبين تعاني من ضعف في التبوء بالإيرادات الذاتية والمحولة ولا تستطيع تقدير النشاط الاقتصادي بدقة. ويقول المحلل صفوت فانوس في حديث سابق للرائد: إن القبضة المركزية للراحل قرنق على الحركة الشعبية جعلت تحولها نحو الحكم والإدارة يواجه بصعوبات متعددة منذ بداية تنفيذ الاتفاقية وكذلك فإن تحول الحركة إلى حكومة كان نقلة لم تستطع الحركة التأقلم معه حتى هذه اللحظة وإن أزمة التنمية في الجنوب تبقى في بناء القدرات في الجنوب من أجل أداء الأدوار والمسؤوليات المحددة في الإطار القانوني ولا يكون ذلك إلا بتحقيق لا مركزية مالية عامة في السودان ككل، هذا مع العلم أن الجنوب لديه تجارة بسيطة مع كينيا ويوغندا ولا يوجد به استثمار أجنبي في مجال التنمية والبني التحتية فقط تجارة حدود لوجود العديد من معوقات الاستثمار في الجنوب مثل عدم الاستقرار الأمني والنزاع القبلي وضعف البنية التحتية التي تشجع على الاستثمار. إسرائيل على الخط دعا خبراء إسرائيليون إلى إبرام اتفاقيات للتعاون الاقتصادي مع جنوب السودان، وأشاروا إلى ثراء الجنوب بالنفط، فضلاً عن الأراضي الزراعية الخصبة الشاسعة، الأمر الذي اعتبروا أن إسرائيل يمكنها استغلاله، ليصبح جنوب السودان بمثابة سله غذاء متميزة لها. وأكد يوئيل جوتنسكي، الخبير والمحلل السياسي في صحيفة إسرائيل اليوم،- نشر بدايات هذا الشهر- أهميه إبرام اتفاقيات تعاون اقتصادي مع الجنوب السوداني، مشيرًا في هذا المقال إلى أن الاقتصاد وحده سيكون البداية لتحقيق هذا التعاون المتميز. وأشار جوتنسكي إلى أن الكثير من الدول العربية تتخوف عن إبرام اتفاقيات التعاون الثنائي مع السودان إما لأسباب سياسيه أو اقتصاديه، معتبراً أن تلك هي ألفرصه لاستغلال جنوب السودان الغني بالنفط، فضلاً عن المناطق الزراعية التي من الممكن أن تتحول إلى سلة غذاء متميزة لإسرائيل. وقال جوتنسكي في نهاية المقال: إن الكثير من اللاجئين السياسيين السودانيين ممن يعيشون في إسرائيل الآن من الممكن أن يكونوا جسراً للتواصل والسلام بين جوبا وتل أبيب، وهو السلام الذي بات على الأبواب خاصة، وأن إسرائيل لا ترتبط بأي حالة من حالات العداء مع دولة جنوب السودان الوليدة، وبالتالي فإن جميع السبل والطرق السياسية والدبلوماسية مفتوحة من أجل إبرام السلام بينها وبين إسرائيل، معترفاً بأن هذا السلام سينعكس بصوره إيجابية على الدولة العبرية بالنهاية. تحدٍ كبير ويقول مراقبون إن حكومة الجنوب الآن تواجه بأكبر تحدٍ وقد لا تستطع أن تتجاوزه في القريب العاجل لأن هناك ضعفاً في التنمية والبنيات التحتية مع فساد ظاهر ومحاباة وسيطرة القبيلة على الكثير من الموارد مما يهدد بالتهام الموارد القليلة الموجودة في الجنوب ويلقي بآثار سالبة على قيام الدولة الوليدة في جنوب السودان. ويرى باحثون أن عجز حكومة الجنوب عن الإبقاء بالتزام التنمية من شأنه أن يعجل بإعلان الوفاة المبكرة للدولة الوليدة وهي في مهدها. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 26/6/2011م