قالت صحيفة التايمز البريطانية تعليقاً على الخبر الذى أوردته والخاص ببيع حكومة الجنوب لحوالي 9% من أراضي الجنوب الأكثر خصوبة ان بعض الصفقات التى تم إبرامها تمت (بأسعار رمزية)! وأوردت مثالاً لذلك ان بعض الشركات الأمريكية على سبيل المثال دفعت مبلغ4 بنسات للهكتار الواحد من الارض وشركة بالولايات المتحدة اشترت (600ألف هكتار) مقابل 17 ألف جنيه إسترليني. ولكي ندرك فداحة تفريط الحركة الشعبية – وهى الطرف البائع – فى أراضي الجنوب فان علينا ان نوضح ما يساويه الهكتار كوحدة قياس للأرض يستخدمها الأوربيين غالباً ، فالهكتار يساوي 1000 متر مربع، أى (1) كيلو متر مربع وهذا يعني ان شركة (نايل للتجارة والتصدير) الأمريكية اشترت 600ألف كلم مربع بمبلغ 17 ألف جنيه إسترليني أى حوالي 27 ألف دولار أمريكي أى حوالي 80ألف جنيه سوداني ! بمعني أشد وضوحاً وأكثر ترسيخاً فى الذهن فان حكومة الجنوب باعت ارض بمساحة تمتد من الخرطوم عاصمة السودان وحتى مدينة كسلا بشرق السودان بمبلغ لا يتجاوز ال(80) ألف جنيه سوداني، وهى بمساحة تستغرق فيها السيارة على اقل تقدير 5ساعات من السير المتواصل مهما كانت سرعتها! وعلى هذا الأساس يمكن ان نقايس نسبة 9% من أخصب أراضي جنوب السودان باعتها الحركة الشعبية بهذا الثمن البخس لشركات أمريكية من المؤكد أنها استحت فقط من ان تأخذها مجاناً ولكنها فى الواقع فعلت حين دفعت هذا المبلغ الشديد الرمزية! و لعل الأكثر سوءً من ذلك ان العقد يمتد ل(49) عاماً أى نصف قرن من الزمان وقابل للتجديد وهو ما يثير التساؤلات بشأن هدف الشراء خاصة إذا علمنا ان عقودات الأراضي عادة فى الدول وحتى بالنسبة لمواطني الدولة تقل مدتها عن هذه المدة بكثير لأن الارض هى رمز السيادة للدولة ولا يجوز بحال من الأحوال التهاون فيها .و كذلك يثور التساؤل – وهذا مكمن الخوف – عن طبيعة الاستثمار الذي سيتم فى هذه الأراضي بالنظر الى تفاهة المقابل وطول مدة العقد وهو ايضاً ما أثار استغراب وأسي صحيفة التايمز نفسها التى قالت ان الصفقات تضمنت إمكانية رفع مساحة الارض الى مليون هكتار اى مليون كلم مربع! أغلب الظن ان الحركة الشعبية فتحت الباب واسعاً أمام الأمريكيين والأوربيين و دون شك الإسرائيليين (فى ثياب أمريكية) لوضع أيديهم على أراضي الجنوب واستخدامها استخداماً اقتصادياً وسياسياً بالدرجة الأولي مما يضع الجنوب -كدولة وليدة- أمام تجربة استعمارية فريدة من نوعها تقوم فيها حكومة الدولة بدعوة المستعمرين و تمكينهم من السيطرة على الارض بإرادتها تحت دعاوي الاستثمار وأغلب الظن ايضاً ان الامر بمثابة (فاتورة سياسية) واجبة السداد نظير الدعم اللوجستي الذى ظلت تقدمه هذه الدولة للحركة الشعبية فى حربها الطويلة لما يجاوز العقدين من الزمان ضد السلطة المركزية فى الشمال .