تضع إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما انفصال جنوب السودان وإعلان استقلاله السبت المقبل في خانة انجازات سياستها الخارجية. صحيح أن إدارة الرئيس السابق جورج بوش هي التي أشرفت على هندسته. لكنها هي التي نزلت بثقلها، خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي لتعويم وترجمة اتفاق 2005. أوباما تدخل شخصياً لضمان حصول الاستفتاء. عقد لقاء خاص مع عدد من الرؤساء في مقر الأممالمتحدة، كما أوفد مبعوثين اثنين ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في جولات متعددة إلى المنطقة لغرض استنفار الدول المجاورة ومنظماتها الإقليمية لهذا الغرض. وتوالت جهود الإدارة لتأمين ولادة الدولة الجديدة في الموعد المحدّد. وعشية الحصاد، قدّم المبعوث الخاص برنستون ليمن عرضاً لمسيرة الأشهر الستة الأخيرة التي أعقبت الاستفتاء، أكد فيه أن العملية جارية وفق المرسوم رغم أن بعض القضايا الهامة ما زالت عالقة. وبالتحديد مسألة أبيي وعائدات النفط بالإضافة إلى ترسيم الحدود وبما يؤدي إلى وقف القتال جنوب كردفان. وفي هذا الخصوص، أكّد بأن هذه المسائل ستجد حلولها خلال مواعيد قاطعة سيتم تحديدها. كما شدّد على وجوب صدور تطمينات من جانب الخرطوم قبل التاسع من الجاري، بشأن أوضاع حوالي مليون جنوبي مقيمين في الشمال. صعوبات واعتراف ومع اعتراف واشنطن بوجود صعوبات باقية بين الشمال والجنوب وبوجود تحديات هائلة أمام الجنوب في مرحلة ما بعد الاستقلال، إلاّ أنها تتعاطى مع هذا الحدث بكثير من الارتياح والاطمئنان باعتباره حصاد زرعها وبزعم أنه وضع حدّاً لحرب أهلية مدمّرة تسببت بكوارث إنسانية مريعة؛ فضلاً عن أنه تنفيذ لاتفاق حصل برضى السودانيين أنفسهم. وللتعبير عن ذلك، تزمع الإدارة تعيين سفير على وجه السرعة في جوبا بعد الاعتراف الفوري بالدولة. كما تزمع المشاركة في الاحتفال بوفد رفيع، قد يرأسه نائب الرئيس جو بايدن أو وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. وربما تشمل الزيارة الخرطوم بعد جوبا. خاصة إذا ما بادر الشمال إلى الاعتراف بالوضع الجديد، وفقاً لوعد وزير خارجية الخرطوم أمام المبعوث الخاص، بحسب ما كشف هذا الأخير. عراب الحدث ما لا شك فيه أن واشنطن هي عرّاب هذا الحدث. وضعت هيبتها وثقلها في الميزان من أجل تحقيقه. لم تترك ورقة ضاغطة أو مغرية إلاّ ولجأت إليها لبلوغ هذا الهدف. لابدّ وأن هناك حسابات أبعد من حيثيات الحرب الأهلية على بشاعتها وموجبات وقفها. وإلاّ لماذا يغيب مثل هذا التعاطف والحرص المزعومين عندما يتعلق الأمر بساحات أخرى تعيش معاناة مريرة طال زمانها من دون أن تستثمر واشنطن ولو جزء من كل هذا الرأسمال الذي وظفته بشأن استفتاء جنوب السودان ؟ ولا حتى بالقدر البسيط الذي لزم لحمل إسرائيل مثلاً على وقف مؤقت فقط لبناء المستوطنات!. ازدواجية تفرض التساؤل، ولو أن الانقسام ساهم السودان بشقيه، في تخصيب أرضيته. والأخطر، في ضوء ما يتردد من تلميحات وتوقعات، أن الأمر قد لا ينتهي هنا وأن تجربة الجنوب قد تكون صفحة قابلة للنسخ على أرض السودان. المصدر: البيان 6/7/2011