يشهد العالم اليوم إعلان مولد دولة جنوب السودان كأحدث دولة ولكن مع إعلان مولد هذه الدولة تطوى صفحة من تاريخ السودان الموحد الذي بدأ منذ القرن الثامن عشر فإن ميلاد هذه الدولة رغم أنه يمثل عهداً جديداً لدى الجنوبيين الذين يحتفلون بقيامها إلا أنه في الواقع يعد نكسة ونكبة لدعاة وحدة السودان تراباً وشعباً جنوباً وشمالاً ولذلك فإن هذا التاريخ يمثل يوماً أسود في تاريخ السودان الحديث. من حق الجنوبيين السودانيين أن يحتفلوا بمولد دولتهم الجديدة ومن حق دعاة الانفصال في الشمال أن يبتهجوا ببتر جزء عزيز من تراب السودان ولكن على الجميع أن يتذكروا أن وحدة السودان هي الهدف الأسمى الذي فقده الجميع بقيام هذه الدولة رغم أن فصل الجنوب تم بإرادة شعبية إلا أنه غير مستثاغ وغير مقبول لدى الكثير من السودانيين والعالم خاصة في العالمين العربي والإسلامي. إن المطلوب بعد ما تحقق للجنوبيين مطلبهم بالانفصال وقيام دولتهم أن يكون الطلاق سلساً وعدم دخول الشمال والجنوب في أزمات جديدة وإن ذلك لن يتحقق إلا بعمل جاد ومسؤول يقوم به الطرفان في الشمال والجنوب لمعالجة كل الملفات والقضايا العالقة وهي كثيرة ومتشعبة ومتعددة وإن تجاهلها سيقود إلى حرب جديدة ستكون شاملة وستكون لها عواقب وخيمة على دولتي الشمال والجنوب. إن على الجنوبيين أن يدركوا بعد قيام دولتهم أن طريقا طويلا وشاقا ينتظرهم للحفاظ على هذه الدولة الوليدة فالاحتفالات وحدها لن تحافظ عليها خاصة أن الجميع يدرك حجم المشاكل والأزمات الأمنية والسياسية والصعوبات الاقتصادية التي تواجه هذه الدولة الجديدة إضافة الى حجم الخلافات بين الشمال والجنوب ولذلك فإن المطلوب البحث عن حل جدي وعاجل لهذه المشاكل بإشراك جميع الأحزاب السياسية الجنوبية. من المهم أن يدرك الطرفان "الشمال والجنوب" أن الحفاظ على علاقات حسن الجوار والأخوة هو الأساس للاستقرار السياسي والأمني في البلدين وهذا يعني أن يبتعد أي طرف منهما عن إثارة القلاقل والأزمات للطرف الآخر فالشمال يعاني من أزمات خلقتها خلافات تنفيذ اتفاقية نيفاشا خاصة في جنوب كردفان وأبيي وجنوب النيل الأزرق كما يعاني من أزمة دارفور المستفحلة والجنوب يعاني من قلاقل داخلية ومشاكل اقتصادية كثيرة وأنه لا حل لهذه الأزمات إلا بالتعاون المشترك بين الدولتين. إن المجتمع الدولي مطالب بشدة بمواصلة دعمه السياسي للطرفين والضغط عليهما لحل جميع الخلافات بينهما وعلى السودانيين جميعا شمالا وجنوبا ضبط النفس وعدم إثارة أي أزمة جديدة بين الطرفين تؤدي إلى نشوب حرب لا يعلم إلا الله عقباها.