يصادف اليوم ميلاد دولة جنوب السودان وحري بنا ان نزجي التهنئة لإشقائنا بالجنوب نيلهم قيام الدولة بطوع إرادتهم واختيارهم عبر استفتاء تقرير مصيرهم وهي من استحقاقات اتفاقية السلام المعروفة بنيفاشا نتيجة حوار طويل استغرق سنوات عدة بقيادة الاستاذ علي عثمان و د. جون قرنق. لاحظت انسياقا غير مبرر من احاديث عاطفية هنا وهناك بعضها يلقي اللوم على نيفاشا بتقديم تنازلات لم تكن مقبولة ولا معقولة وهذا حديث لاينبغي ان يسود لانه لايستند الى منطق ولا واقع. وتقفز الى الاذهان تساؤلات عدة منها هل كان ممكنا غير الذي حدث؟ ماهي المبررات التي ساقتها وتسوقها حتى الآن القيادات الجنوبية؟ هل قرأ أولئك نتائج الاستفتاء في الشمال؟ دعك عن نتائجها في الجنوب؟ التفريط الذي يرمي به البعض في حق البلاد على المؤتمر الوطني لايقرأ الواقع ولم يذاكر تاريخ الصراع الشمالي الجنوبي . أما كجغرافيا فربما سقط من مناهجنا المناخ الاستوائي الممطر بغاباته وانهاره ومستنقعاته جنوبا يقابله المناخ الصحراوي الجاف. اختلاف العنصر واللغة والدين وحاجات كثيرة تانيه حامياني، كلها عناصر تنافر وليس بينها تلاقي . العاطفة التي يتحدث بها هؤلاء شمالا يقابلها استخفاف كان صامتاً لحين، ولكنه انفجر بعد توقيع سلام نيفاشا ولعل الأحداث التي أعقبت مصرع قرنق خير شاهد على مانقول. محاولات كثيرة جرت منذ فجر الاستقلال بل وقبله بأعوام من مؤتمرات مستديرة ومستطيلة وخلافها لمحاصرة الخلاف واحتوائه ومعالجة اسبابه فكيف واجه اخواننا من الجنوب تلك المحاولات وكل مؤتمر وآخر تمرد يرفع سقف المطالب. نداءات الجنوبيين بالانفصال لم نقابلها بما يستحق من جدية وقراءة دقيقة ولو فعلنا ذلك لحدث الانفصال قبل اكثر من اربعة عقود ولكنها العاطفة فقط ولاشيء غيرها، والاصرار والتمسك بالوحدة رغم خلوها من عناصرها كالحب من طرف واحد . الرئيس السابق جعفر نميري كان نجما في سماء المحاولات الجادة لصيد طائر السلام في منتصف سبعينيات القرن الماضي. ويخطيء من يظن ان لقراراته بتقسيم الجنوب الأثر في اندلاع الحرب بعد سلام صمد قليلا. فالسلام والوحدة لم تكونا في اجندة السياسيين الجنوبيين يوما واحدا ولكنهم بنظرية الانحناء للعاصفة لتمرير العواصف القادمة من الشمال ريثما يرتبون أوضاعهم وهكذا . سلام نيفاشا بحسابات الشمال في ظنهم يقود الى الوحدة وهم يضمرون شيئا آخر وبقراءة لتصريحات قياداتهم المرتبة والمدروسة والمجدولة بعد انقضاء نصف الزمن من الفترة الانتقالية بالتبشير بالوحدة ولا لوم ولا عتاب على ذلك. ولكن الذي اثار دهشة الكثيرين اتهام المؤتمر الوطني ووصفه بعدم تهيئة المناخ لجعل خيار الوحدة جاذبا . واثارة الخلاف في مداولات المجلس الوطني خلق ازمات وأثارت تعجب بعض قوى الشمال ممن لم يعتبروا مما اصابهم من اهمال وتجاهل ونقض للعهود والمواثيق التي جاءت في مؤتمرات التجمع بدءاً بأسمراً ومروراً بكمبالاً وصولاً لمحطات القاهرة وطرابلس انفراداً بالحوار مع المؤتمر الوطني . سادتي اعيدوا قراءة تاريخ الشمال واندفاعه نحو الوحدة العاطفية وكمثال واحد اذكر توزيع عدد من المعلمين الجنوبيين في العام 1967 على مدارس الشمال فما الذي حدث. لم يصمد امام هذه التجربة معلم واحد وليتهم طرقوا سبيل الاعتذار ولكنهم فروا ليلا . هذه مقدمة بسيطة لسيل من المقالات ولكني لا انوي اجترار ماضٍ ذهب مع التاريخ ولاينبغي ان ننكأ جراحات كثيرة ولكنها رسالة للذين يفكرون بعواطفهم. في لقاء جمع الكثيرين ممن يهتمون بتاريخ العلاقة بين الشمال والجنوب تتطرق البعض لآلام بعض اهل الجنوب وشعورهم بالخيبة والندم من تجاهل الحركة الشعبية لرموزهم ومصيرهم المجهول في قادمات الايام. يصرح احدهم بأنه لن يعيش في الجنوب على امل ان تسمح الحكومة له بالبقاء هنا حيث الامن والامان والتقدير والاحترام . الأسى كان واضحا والألم يعتصر قلبه ولكن هل يتذكر اولئك المثل الشعبي ( التسويه بايدك يغلب اجاويدك ) (البيلد المحن لابد يلولي جنياته). اليوم الاحد أول أيام الدولة الوليدة (جنوب السودان) نزجي التهنئة بفوزهم ببطولة استقلال الجنوب ونتمنى ان تستقر وتزدهر وفوق هذا وذلك ان نعي الدروس والتجارب . وإن فشلنا وعجزنا في المحافظة على وطن واحد وموحد وأن نزيل حواجز إنعدام الثقة فيما بيننا فلا يعني ذلك أننا لانستطيع أن نعيش في جوار آمن نتبادل فيه المنافع والمصالح فربما يأتي زمان غير هذا وأناس غيرنا يحققون ماعجزنا عنه. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 10/7/2011م