حمى بمضاعفاتها اصابت الكثير من الوسائط الإعلامية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة بالترويج للوحدة التي تنافرت حروفها ، دون أن تتمكن هذه الوسائط جميعها من لفت الإنتباه للمستهدفين برسالتها من الجنوبيين ، حتى الذين لم ير كثير منهم الجنوب - ولا نحن الذين تخنقنا العبرات عجزا وإنهزاما وخنوعا ويراد دفننا أحياء .. ومن موات الأشقياء صحوت ذات يوم على صوت من مذياع جاري سمعت : منقو قل معي لا عاش من يفصلنا ...وشنو كدا حللنا بدنا ..(!!!) ولم يقل منقو شيئا ، فهو دائما يأمر بالقول والطاعة فسكت ثم حرن ، ولكن عاش من يفصلنا دون ان يجفل له جفن ولعنات التاريخ والشهداء الأحياء والمكتوون بسياساته تطوق عنقه وأعناق مستشاريه ... دون رحمة كما لم يرحموا فلن يرحموا فالراحمون يرحمهم الله يوم القيامة ..ولكن من رحَم منقو ؟ ألم يكن منقو حينذاك طفلاً تشكله اجواء الطفولة ومعارفها المكتسبة يحلم كما يحلم أترابه من هنا وهناك بوطن كبير لا تحده حدود ولا جهوية ولا عنصرية ولا إتفاقية ، فأرض الله دائما واسعة للمهاجرين في سبيله شمالا أو جنوبا تعبدا له وتجارة وإحقاقاً للحقوق وتزكية للنفوس ونشراً لمكارم الأخلاق وفاضل السيِّر ، وليس لقطاع الطريق والرقاب وحافري الأنفاق والأفخاخ ، فحتما زمرة في أرض كهذه يلصقون أوصافهم وإسقاطاتهم على بني الوطن جميعا - غرابي - جنوبي - إلخ تضيِِّق على الجميع الأرض بما رحبت فيخرج منقو من كتاب الأناشيد ومن بين جنباتنا يتمغى ويتمطى ثم يتوكل على قبلة إرتضاها مدفوعاً أو مأزوماً والله المستعان ، ولم يفتح الله لنا بكلمة فيها نجرم انفسنا وفي الحد الأدنى : لا عاش من يفصلنا .... وبعيدا من ما يروج له من تهديد الحركة للجنوبيين في الشمال او في الجنوب تبدو الصدمة والإحساس بالضياع والتوهان سمة الغالبية من شعب الجنوب بالرغم من ان الجنوب وطنهم إلا أنهم لا يحسبون ان فيه مبتغاهم لأسباب عديدة فأخبار الذين سبقوهم الى هناك تؤكد صعوبة الأوضاع وقلة فرص العمل وسيطرة اليوغنديين على سوق العمل وانعدام السكن والأمن الشخصي وغير ذلك من مواضيع ذات صلة بالحياة الكريمة ، فيقول بعضهم جناً تعرفه ولا جناً تغباه ، ولم يحصل في الشمال ان ضرب جنوبي شمالياً او العكس بطراً وعدواناً ولكنه يحصل هناك هنا في الجنوب اليوم ، يوغنديون وصوماليون وحبش ، نسوان ومريسة وإلخ ثم سيبدأ التنافس المفضي الى نزاع والمفاجآت لقلة الموارد ... هل سيضحي العاملون والموظفون هنا بما يكنزونه ويذهبون الى الجنوب ليدفعوا بأكبادهم الى أتون قدور تغلي ؟ يقول من هاتفته ان بعض المدارس اخرج منها الطلاب لإسكان بعض العائدين الذين لا يجدون سكنا أو مأوى او طعاما وهناك من بدأ في الهروب من مدن الجنوب الكبيرة خوفا من سياط الحركة فإما ان تسجل أو تجلد وتقهر ... ولكن هل يمكن ان يفوت المسجلون هناك في الجنوب الفرصة على دعاة الإنفصال ويصوتوا لصالح الوحدة ؟ الجانب النفسي لحاجة الإنسان للأمن: إن حاجة الإنسان مرتبطة بدوافعه الغريزية (الطبيعية) ويصل درجة الاطمئنان عندما يحقق مطالبه فهل توفر البيئة الراهنة في الجنوب مطالب النفس البشرية لإنسان الجنوب ولسنا نقصد الغرائز من أكل وشرب وتناسل وتنفس بل الحاجات الثانوية لتحقيق الذات ومطالب الأفراد والمجموعات والقبيلة . التي جعل منها شعارا للإنفصال ؟ عندما لا يجد الإنسان الحاجات المعنوية والمادية ولايطمئن على رزقه فلن يوجه الحب والتقدير للأرض بل سيذهب في الإتجاه المفضي لإزالة ما يهدد رزقه ورغباته وامنه . وهذا ما جعل الكثير من العائدين ان يفكروا بصوت مسموع مهما كانت النتيجة في القول بحسرة وقلق تخلّو عنا دون إحساس بالندم والتفريط في غياب كامل للضمير الوطني والأخلاقي والقانوني ، لأننا حقا كنا هكذا في الذهنية الشمالية مواطنين بلا تصنيف مفضل . ورغم ذلك نشأنا في الشمال ولنا علاقاتنا واعمالنا صنعنا حياتنا هنا فلم تعد ثقافتنا هي تلك المنغلقة على فضاء الجنوب و احلام سياسييه والذي لم يره كثير منا فالفضاء الذي عشنا فيه هنا في الشمال صار غنيا بأنفاسنا وتاريخ أرواحنا وعرق جبيننا فكيف ننزع منه وهل ستنتهي مشاكل الشمال والجنوب عند هذا الحد ؟ . ومنهم من قال ان الطرفين لم يستحقا التقدير والثناء على إتفاقية أضاعت الوطن ووصية الأجداد فقد كانت فخاً واستدراجاً استخبارياً محكماً غفلت عنه طاقاتهم العقلية والأمنية التي لا تجيد إلا الإمساك بالكراسي ونسج المؤامرات وإضاعة الحقوق وإلغاء الآخر وشطبه من سجل الوطن الذي خطفوه وسنبقى هنا وسيعود من ذهبوا لأننا نحس بالأمان وفرص العمل والرزق الحلال الله لا يجعل وليد راجل في بطن مرتك واليوم نعِد الأيام ليس لإنفصال الجنوب وحده ولكن للسيناريو المتوقع من المؤتمر الوطني وسياساته الرعناء وما ستقابله به أمريكا بعد أن تدخل الجنوب بشكل مباشر لمطاردة جيش الرب أو كما قالت وأي رب تعني لو تعلمون . وبين كل هذه المحن تتجلى كثير من المقالات من مختصين ومنفعلين بالهم الوطني تشير الى طريق ثالث - يعجب بعض من بالدولة - في قلب الطاولة كما اشار العميد امن (م) حسن بيومي في إحدى مقالاته أو كما حلم احد الفرقاء بتنظيم سياسي عسكري اسماه NUA-NUM يحافظ على وحدة الوطن في حلم منشور بصحيفة ألوان ولست أدري ما هو تأثير الحلم على قناعات الفريق ومسئولياته والقسم الذي أداه . ولكني اليوم على يقين بأن السلم ما عاد قادراً على حمل البشير الى أعلى وأرجله واطرافه تمسك بها ازمات داخلية وخارجية صنعها بتراخيه وبخياراته وكنت أتساءل : كيف يمكن لدولة ليست قوتها في مدى إلتحام شعبها بها بل في آلتها الأمنية أن تقوى لمواجهة خصمائها بلا حليف ولا رديف وهي تتخبط والجدران امامها و حلفاؤها ينفضون حالما قضوا منافعهم ؟ وقديما قال الأهل : البيلِد الفتن لا بد يلولي صغارهن .. وبالدارجي يعبر الكثيرمن الناس عن توصيفهم للواقع الراهن بكلمات من التراث اللغوي السوداني قائلين : ألمي خنق القنطور أي بلغ السيل الزبى وبلغة القرآن لاعاصم اليوم من أمر الله ... والشعب ما عاد يهمه سوى التغيير المفضي للأمن والسلام فهل هذا ممكن في هذا الوقت وكيف ؟ هنا استحضر هذه الكلمات البليغة التي سمعتها في مناسبة ما حيث يقول المثل الدارفوري :- الله لا يجعل وليد راجل في بطن مرتك ... يا كتلاك يا طلقاها منك .. وفي شرح للمثل إذا جعل الله لرجل آخر طفلا في بطن زوجتك فحتما سيكون إما بموتك والزواج منها أو بتطليقك إياها فلا راد لمشيئته ... Email:[email protected]