بعد مفاجأته بإحتفاء الإسلاميين بعودته من منافي المعارضة، وإعجابهم به لدرجة دعوته لإحياء جلساتهم الحلال، نٌقل عن الفنان الكبير محمد وردي قوله: (أنا لو عارف الجبهجية بحبوا الغُنا، كان جيت من زمان)؟!. قطعاً لم يدر بخلد وردي المعارض وقتها، أن (الجبهجية) أو الإسلاميين - على الأرجح عرابهم د. حسن الترابي- يتقاسم مع تلامذته ذلك الحب.. حب دفعه الأحد الماضي لأن يعتلى خشبة مسرح جوبا، لا للحديث الذي يبرع فيه هذه المرة، وإنما ل (يٌبشر) أمام وردي في لحظات بدت كحفل عرس الكل فيه مبتهج، فحسب حضور ذلك الحفل فإن الترابي لم يترجل عن المسرح فور (تبشيره) وأنما وقف بمحاذاة وردي وهو يلوح بكلتا يديه للجمهور قبل أن يلتقط فيما بعد صوراً تذكارية. المفارقة التي تحمل على الحزن، أن فرحة الترابي غير المبررة تلك، لم تكن بسبب تحقق الوحدة، وإنما كانت في حفل أٌعِد خصيصاً بمناسبة تمام الإنفصال. وهو الأمر الذي يجعل مبعث تلك الفرحة بحاجة لتوضيح من الشيخ أو أحد مرافقيه ربما. كمال عمر -الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي- الذي يستنفد كل لياقته السياسية لمد جسور الوصل مع الحركة الشعبية رغم غضب (البدريين) في الشعبي من هذا الوصال الذي لم يُفض إلى طحين، كشف في تصريحات صحفية بالمطار عقب العودة من جوبا، أن للترابي مكانة خاصة عند الجنوبيين، وأنه صعد إلى المسرح وإبتهج معهم وتبادل التهاني. وأضاف كمال، كان للترابي دور فاعل في تلك الأمسية!!. أى تهانٍ تلك سيد كمال التي يتبادلها الترابي مع الجنوبيين في حدث يستوجب العزاء، والصراخ ربما؟، ألم يكن أجدى أن يلتزم صمتاً نبيلاً كصمت الإمام الصادق المهدى في لحظة الإحتفال بميلاد الدولة الجديدة، بينما كان الترابي في اللحظة ذاتها يتبسم إبتسامة لم تٌفك شفرتها بعد. أو على الأقل، ألم يكن من المناسب للشيخ الثمانيني أن يلزم مقعده في الحفل، خاصة وأنه أصيب في ظهره مؤخراً عندما كان يحاول الوضوء في إحدى (وضايات) سجن كوبر العالية؟ ثم، أى دور فاعل للشيخ تتحدث عنه في تلك الأمسية سيد كمال، وأنت الأمين السياسي للحزب الذي يتوجب عليه الحديث عن دوره الفاعل في الوحدة، وليس في الحفلة.. هل خُدعت أنت كذلك بإبتسامات الحركة السياسية، ومغازلتها المكشوفة التي إستوجبتها ضرورات المرحلة أيام كانت بحاجة للعمل المشترك معكم قبل أن تنفصل بالجنوب، وتترككم عزلاً من جديد في مواجهة المؤتمر الوطني بالشمال؟ الإبتهاج الوحيد الذي يمكن فهمه بسبب إنفصال الجنوب من الشماليين هو إبتهاج وفرح (منبر السلام العادل). فالإنفصال كان قضيتهم الرئيسية التي ذبحوا الذبائح لتحققها، وذرفت دموع الباشمهندس الطيب مصطفى بسببها، ولما كان الترابي يختلف في نظرته لقضية الإنفصال عن الطيب مصطفى من الناحية الظاهرية على الأقل، فإن السؤال المهم هنا: لماذا يبتهج الترابي بوحدة نحرت، وثيران (منبر السلام العادل) في يوم واحد؟ الشطار في الحركة الشعبية سينظرون إلى عربون الإبتهاج الذي قدمه لهم شيخ ما توقعوا أن يبتهج معهم على ذلك النحو اللافت، بوصفه محض رشوة سياسية كتلك التي قدمها الصاغ صلاح سالم عضو مجلس ثورة يوليو في مصر الذي رقص عارياً في الجنوب من أجل الوحدة بين البلدين. ولكنه رقص جاء بعد إطفاء الأنوار وحسم الأمور نحو الإستقلال. وكذلك كان حال إبتهاج الترابي، وإن كان رقص الصاغ سالم يمكن تبريره لأنه جاء على الأقل قبل الإستقلال، وليس بعد الإنفصال كما في حالة الترابي. إبتهاج الترابي إن كان حقيقياً، ربما يوفر حيثيات للقائلين بأن الإسلاميين كانوا في الأصل مع إنفصال الجنوب الذي حال دون تمدد الإسلام وبسط الشريعة في كل البلاد، أو ربما لسعادته من حزن تلامذته في الوطني الذين لم يعجبهم الإنفصال ولكن تعاملوا معه كأمر واقع، فيما لا يُستبعد أن يكون إبتهاج الترابي وضحكه من باب شر البلية. مهما يكن من أمر، فإن إبتهاج الترابي مع الحركة الشعبية في مسرح جوبا، ليس بعيداً عن قبور الشهداء الذين كان يدفع بهم الشيخ إلى هناك، ربما زاد من اسهمه عند الجنوبيين، ولكنه قطعاً سينتقص من صورة الشيخ والمفكر الذي كان يصعب مجرد تخيله في حفلات كهذه، ناهيك عن أن يصعد إلى المسرح، ويحيى الجماهير من على منصته وكأنه في حفل عرس، وليس حفل إنفصال! نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 13/7/2011م