حدثين وقعا هذا الأسبوع في منطقتين مختلفتين من مناطق جنوب السودان، كل منهما، رغم البعد الزماني والمكاني كان يصب في مصب واحد، وهو أن الصراع قادم، أو هو قد بدأ بالفعل بين قادة الحركة الشعبية – على مستوى كبار القادة – بعد أن آن أوان الانتخابات والكل يبحث عن معقل، أو قاعدة يستند عليها. الحدث الأول وكان بالفعل ملفتاً للنظر ومثيراً للقلق لدى مواطني مدينة أويل هو وصول اللواء (داو أتور جونق) الذي يشغل حالياً منصب قائد القوات المشتركة وبصحبته رتل من الجنود المحملين على عدد من العربات الكبيرة، يحملون أسلحتهم في استعراض صريح ومتعمد للقوة. ويقول شهود عيان شهدوا الواقعة، أن عدد الجنود الذين صحبوا اللواء (جونق) ربما فاق المائة جندي وغالبهم – كما يقول ذات الشهود – ينحدرون من ذات الإثنية التي ينتمي اليها اللواء (جونق). وتقول الأنباء أن الموكب صحبه ضجيج، يبدو أنه كان معدّاً إعداداً مسبقاً الغرض الأساسي منه – وفقاً للعاملين ببواطن الأمور – أن اللواء (جونق)، باستعراضه هذا يعتزم تقديم نفسه كمرشح منافس لحكم الولاية التي تعتبر احدى أهم ولايات الجنوب السوداني. وحتى إعداد هذا التحليل تؤكد الأنباء أن القوات المستجلبة لا تزال موجودة، وأن هنالك خشية حقيقية من وقوع مواجهات بينها، وبين منافسين آخرين. في منحى آخر يجري في ذات الاطار، فإن الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة جنوب السودان قام هو بدوره – بالتزامن مع استعراضات اللواء جونق بزيارة لأنحاء ومناطق متفرقة بولاية الوحدة التي يحكمها العميد تعبان دينق، الحاكم الأكثر اثارة للجدل، والذي يتوقع أن يثير منازعات عديدة وربما دامية في المرحلة المقبلة، كونه لا يود أن يتزحزح قيد أنملة عن حكم ولايته. جولة د. رياك مشار كما جولة اللواء جونق في جوبا، هي أيضاً – بحسب المتابعين محلياً هناك – جولة ذات صلة بالانتخابات وحمى التنافس المشتدة هناك، خاصة وأن هناك مرارات وخلافات معروفة بين الرجلين، تعبان دينق ود. مشار على الرغم من انحدارهما من إثنية واحدة هي إثنية النوير، وخاصة أن ولاية الوحدة – على أهميتها شهدت من قبل حادثة محاولة اغتيال حرم الدكتور مشار الوزيرة أنجيلا وشهدت المواجهة الدامية بين العميد دينق وقوات تابعة للفريق فاولينو ماتيب على الرغم أيضاً من أنهما كذلك ينحدران من ذات اثنية النوير. وهكذا يمكن القول أن هاتين الواقعتين هما بمثابة (ضربة البداية) لصراع مفتوح على كل الاحتمالات بين قادة الحركة، اذ أن كل قائد يسعى لتقوية (عضلاته) العسكرية والقبلية لمواجهة المنافسين وهو ما سوف يجعل من عملية الانتخابات، عملية عسكرية، بالدرجة الأولى أكثر من كونها عملية سياسية تستصحب البرامج السياسية، وهو أيضاً ما سوف يجعل الانتخابات في الجنوب السوداني بمثابة (محرقة) اضافية تنضاف للصراع القبلي المندلع أصلاً هناك وعجز الجميع عن إحتوائه!!