أحداث ولاية الوحدة بجنوب السودان المتفاعلة بشدة حتى الآن على الرغم من محاولات تجري للتكتم عليها وحلّها (بتسوية خفية باهظة) هي بمثابة أنموذج مثالي للغاية قدمته الحركة الشعبية لتقنع كل من لديه أية آمال – من القوى الدولية وتحديداً الولاياتالمتحدة – لإنشاء دولة الجنوب المستقلة بأن الجنوب السوداني ملئ بالبارود وأعواد الثقاب والمواد المشتعلة التي اذا اندلعت فإن القارة الافريقية سوف تلتهب وتتدفق أعداد النازحين واللاجئين وتملأ الدماء أنهار الجور وغيرها من أنهار الجنوب حتى النيل نفسه سوف يتحول الى اللون الأحمر القاني. فقد تفجرّت الأوضاع في ولاية الوحدة بسبب نتيجة الانتخابات التي أعلن واليها شخصياً العميد تعبان دينق – بلسانه وبقرار منه – فوزه فيها ضد منافسته الشرسة د. انجيلا عقيلة نائب رئيس حكومة الجنوب د. رياك مشار، ومن المعروف عن العميد تعبان دينق أنه ظلا والياً منذ خمس اعوام للولاية، فيما يشبه الملك، أو الامير المتوج، وقد سبق وأن جرى اسقاطه في اختيار رئيس الحركة بالولاية، ولكنه لم يقبل بالهزيمة وظل متمترساً وراء قواته رافضاً ترك الولاية لمن اختارته الحركة، وتساءل الناس وقتها – قبل حوالي عامين – عن سر احتفاظ قيادة الحركة بوالي غير مقبول حتى من قيادة الحركة بالولاية دعك من آلاف الشكاوي التي ملأت منضدة رئيس الحركة الفريق كير شاكية من ممارسات دينق وسلطانه الذي لا تحده حدود، ولكن الفريق كير لم يفعل شيئاً!! وقد سبق – قبل أشهر – أن خاض دينق قتالاً ضارياً ضد قوات الفريق أول فاولينو ماتيب نائب قائد عام الحركة عند قيام ماتيب بزيارة الولاية، على الرغم من فارق الرتبة، وعلى الرغم من انتماء الاثنين دينق وماتيب – لقبيلة واحدة هي قبيلة النوير!!، وفيما لم تنته بعد علامات الإستفهام عن سر ترك تعبان دينق يعيث فساداً في ولاية الوحدة – الهامة والغنية بالنفط – اذا بالرجل يفتح جبهة جديدة أكثر سخونة من سابقتها ضد الوزيرة أنجيلا والتي ترشحت لمنصب الوالي في الولاية مستقلة!! حيث فشلت كل جهود الحركة لاثنائها عن الترشح ولكنها أصرت وكان واضحاً أن إصرارها هذا (قائم على حسابات دقيقة) وليس بعيداً عن (مساندة) زوجها مشار نائب رئيس حكومة الجنوب وسعيه المحموم – بذكاء – لمواجهة دينق بإمرأة!!، وكان الامر الأكثر غرابة حين اندلعت أعمال العنف – وسقط ضحايا جراء الحادثة (78) بين قتيل وجريح أن د. مشار قاد بنفسه قوات لمطاردة ماتيب!! بما يشير الى أن الحادثة في محصّلتها النهائية سوف تتفاعل وتصبح مواجهة شخصية دامية، وهي بهذه الصفة (مجرد نموذج واحد فقط) لمئات الحالات التي سوف تفرزها نتائج العملية الانتخابية، فالصراع القبلي والصراعات الشخصية، والطموحات ومحاولات إحكام السيطرة هي السمة المميزة للاقليم الجنوبي الذي – لمفارقات القدر وسخرياته – ارتفعت إضطراباته ارتفاعاً ملحوظاً عقب اتفاق سلام نيفاشا 2005 ولا يدري أحد كيف تجرؤ بعض القوى الدولية لتشجيع اقليم ملتهب كل ها الالتهاب لينال استقلاله؟!! كما لا يدري أحد كيف سيعم الاستقرار الجنوب السوداني وهو مقبل – فقط بعد (7) أشهر لعملية استفتاء وتقرير مصير تاريخية؟! وكيف ستتم ادارة اقليم تقوده حركة تعيش انشقاقات وتقاطعات وصراعات كهذه؟!