وكأن شمس يوم الخميس لم تكن تريد ان تغادر سماء الدوحة إلا ووثيقة سلام دارفور في كامل بهائها ورونقها وكأني بها في ذلك اليوم الذي ارتفعت فيه درجة الحرارة لاعلى مداها كانت رسالة من السماء لمباركة جهد دولة قطر ومجاهدتها لصناعة سلام يرضي طموحات كل الفرقاء وينزل بردا وسلاما وإعمارا على تلك البقاع التي ارهقها القتال والتشرذم.. هجر المزارع ارضه وجف الضرع وماتت الاشجار واقفة. الرابعة عصرا كان هو الموعد المضروب للتوقيع درجة الحرارة فاقت الاربعين واروقة فندق شيراتون الدوحة بكامل تجهيزاته والتي احتضنت لسنوات حوارات ومناقشات بعضها خافت واخريات بالصوت العالي امتلأت وفق اجراءات وترتيبات امنية سلسة قادها شباب قطريون باريحية واقتدار والوفود المشاركة من النازحين ومنظمات المجتمع المدني كان واضحا غلبة التمثيل النسائي فالمراة في مناطق النزاعات هي المتضرر الاول، الكثيرات كن يلوحن "بالأطباق" الحمراء كمهفة وللترحيب بالضيوف وهي اطباق تصنعها الدارفورية من "سعف النخيل" وارتبطت في الاذهان ضمن مفردات التراث والفولكلور ودلالة كرم الضيافة حيث تستعمل اساسا كغطاء لاطباق الطعام قالت فاطمة محمد الفضل عمدة مدينة نيالا والتي التقيناها ضمن استطلاع اجريناه ان وثيقة الدوحة ليست ككل الاتفاقيات لانها نتاج لحوارات بين مؤسسات المجتمع المدني الدارفوري ورعتها دولة قطر بقلب منفتح وارادة انسانية مجردة انها صيغة جديدة لفض المنازعات بالتراضي. نعم فالوثيقة جهد هجين لخبرات تراكمية ومساندات اقليمية ودولية وللقاءات قادها "عبد الصبور" الوسيط القطري احمد بن عبد الله آل محمود طاف بها في المخيمات ومعسكرات اللجوء سافر بها لقادة الحركات الدارفورية حاور الطفل والمراة وحامل السلاح وحارس الارض في جولات مكوكية مرهقة ومؤتمرات متخصصة وحلقات نقاشية ساخنة وحان وقت اسكات اصوات المدافع وبداية مشوار الاستقرار والنماء. تأخر توقيع الوثيقة لدقائق معدودة عن الموعد المضروب لكنها كانت طويلة جدا وما ان دخل سمو الامير الشيخ حمد بن خليفة والرئيس عمر حسن البشير انطلقت "الزغاريد" وضجت القاعة بالتصفيق والتهليل نفس هذه الايادي هي التي ستحمل هذه الوثيقة لتزرعها في باطن ارض دارفور وقراه وبين انسانه وحيوانه لتقطف ثمار الاستقرار. إن انسان دارفور متعطش للسلام لذلك سيكون هو نفسه الجندي الذي يحرسها من اي انزلاقات وهو نفسه الذي سيحمل معول البناء والتعمير لتعود دارفور سيرتها الاولى تزرع وتحصد وتتلو آيات القران وتستنير باشعاعاته التي تدعو لنبذ الفرقة والمكايدة التي جعلت دارفور تضيق بما رحبت، ان اطفال دارفور من حقهم الجلوس على كراسي الدرس من حق الرضع حليب الامهات الذي يدفق ليروي العطش ويملأ البطون من حقهم التعليم النوعي والعلاج والعافية. ان وثيقة السلام ظللت سماء الدوحة بفرحة كبيرة شملت الضيوف الاجانب والمراقبين وسجلتها عدسات الفضائيات واعضاء وفد الحكومة ومنتسبو حركة التحرير والعدالة عانقوا بعضهم بعضا ولوحوا بالعصي والاطباق وهتفوا امتنانا لدولة قطر ولاميرها وولي عهده ولرئيس مجلس الوزراء مثمنين دورهم وحرصهم لترسو مركب السلام على ان يلحق بها جميع الحركات الاخرى دون فرز او اقصاء. انها الوثيقة "كتاب الخير" ضفتاه تسعان كل الحركات الدارفورية النازعة للسلام والاستقرار لتبدأ المشروعات التنموية للاعمار وهذا هو التحدي الاكبر ترجمة بنود الوثيقة على ارض الواقع فارض دارفور غنية وانسانها فطن همام وجواد.. ومبروك "للزول" في كل بقاع ارض السودان هذا الانجاز الذي يحتاج للايادي المخلصة لتحرسه. همسة: سلام.. سلام دارفور سلام.. وشكرا لقطر المعطاء المصدر: الشرق القطرية 18/7/2011