رغم أنه اشتهر بالهدوء والغموض الذي يلف قبعته، شأنه شأن الكثير من الجنرالات والقادة العسكريين، ممن توحى ملامحهم بأنهم أقرب لصناعة الأحداث العنيفة من قربهم لأن يصبحوا ضحايا لها، إلا أن الفريق أول سلفا، ضابط الاستخبارات السابق وعضو هيئة القيادة العسكرية العليا للحركة منذ الثمانينيات، ورئيسها والقائد الأعلى لجيشها الحالي، راح ضحية عملية إغتيال في أكثر من شائعة ترددت بهذا الخصوص، بل صرح هو نفسه ذات مرة بعدم استبعاده أن يروح ضحية عملية مماثلة، عندما أدلى بتصريح قبيل الاستفتاء على حق تقرير المصير، قال فيه مخاطباً الجنوبيين أنه يخشى التعرض لمحاولة اغتيال يدبرها ضده الشمال. الشمال، وحديث الإغتيال، عادا للظهور ثانية على لسان محمد باب الله عمدة مدينة جوبا عاصمة الجنوب، عندما قال مؤخراً لصحيفة (حريات) الإلكترونية إن أحد الجنوبيين سلم نفسه للسلطات في الجنوب وأعترف باستلامه متفجرات من أحد الشماليين برتبة غير كبيرة، بغرض تنفيذ عملية لإغتيال سلفاكير في إحدى كنائيس جوبا، ليتم تعديل الخطة وساعة الصفر إلى يوم التاسع من يوليو بحيث يتم تفجير موكب سلفاكير أثناء عبوره إلى مكان الاحتفال بالاستقلال. سلفاكير، ليس السياسي الجنوبي الوحيد الذي ارتبطت به محاولات ومزاعم الإغتيال، فلام أكول، وزير الخارجية الأسبق ورئيس الحركة الشعبية- التغيير الديمقراطي، قال إنه تعرض لمحاولة إغتيال في مطلع العام 2008م، عندما تمت مهاجمة موكبه في أعالي النيل من قبل مجهولين أطلقوا الرصاص على سيارته، ما أودى بحياة ثلاثة من مرافقيه، هم السائق وحارس شخصي وثالث قيل أنه محاسب خاص. زوجة د.رياك مشار نائب سلفاكير، السيدة أنجلينا تانج، قالت بدورها انها تعرضت لمحاولة إغتيال في أواخر العام 2008م، على خلفية الصراع والتنافس السياسي بينها وبين قريبها تعبان دينق حاكم ولاية الوحدة. وإن كانت مثل هذه المحاولات تتأرجح بين المزاعم والوقائع، وتمكن المستهدفون فيها من النجاة، فإن عمليات إغتيال أخرى نجحت في تغييب قادة جنوبيين آخرين عن المسرح السياسي، مثلما حدث إبان الانتخابات الأخيرة عندما تم إغتيال أحد المرشحين في إحدى الولاياتالجنوبية، ومثلما حدث قبل أشهر، عندما لقى جيمي ليمي ميلا وزير التنمية الريفية والتعاون بحكومة الجنوب مصرعه داخل مباني وزارته في جوبا، رمياً بالرصاص في عملية إغتيال نفذها أحد مرافقيه، تم تفسيرها لاحقاً بأنها عملية ذات دوافع شخصية، وليست سياسية. الدوافع السياسية بالذات، كانت سبباً في إغتيال أكثر من زعيم جنوبي، في الحركة الشعبية على وجه الخصوص، فالروايات التاريخية تؤكد إغتيال قيادات أمثال وليم نون وصامويل قاي توت، لإزاحتهما عن خشبة الزعامة في الجنوب وفي الحركة الشعبية، فضلاً عن أن الزعيم الجنوبي الأبرز، جون قرنق دي مبيور، يشكك البعض حتى الآن في أنه لم يمت في حادث سقوط طائرة عرضى، وإنما كان موته وسقوط طائرته عملية إغتيال مدبرة. على خلفية كل ذلك، لا يستبعد البعض أن يكون سلفا كير، رئيس جمهورية الجنوب، الضحية التالية في مسلسل إغتيالات الزعماء والساسة الجنوبيين، ويستند هؤلاء إلى منطق مفاده أن الصراع والتنافس السياسي داخل الحركة الشعبية، فضلاً عن وجود أكثر من طرف يحمل السلاح في وجه سلفا وحكومته، يجعل تدبير أحد هذه الأطراف لعمل ما ضد سلفاكير وارداً. الإغتيالات من التحديات الأمنية التي لا يمكن منع وقوعها بتاتاً كما قال الفريق الفاتح الجيلى المصباح المدير السابق لجهاز المخابرات ل (الرأي العام) في وقت سابق، بل يمكن فقط جلعها أكثر صعوبة لناحية التنفيذ وعدم إمكانية إفلات الفاعل بفعلته، ويتابع: حالات عدم الاستقرار السياسي والأمني تمثل جواً مناسباً للإقدام على تنفيذ عمليات الإغتيال. قائمة الأطراف التي يمكن لها نظرياً أن تستهدف إزاحة السيد سلفاكير عن سدة الزعامة ليست قصيرة، وتبدأ من داخل قصره، حيث يحاول البعض إقامة حكومة داخل حكومة الجنوب كما قال سلفا نفسه في السابق، فضلاً عن وجود العديد من الجنرالات الذين يحملون السلاح في وجه جوبا، ممن يمكن لأي منهم أو من أتباعهم أن ينفذ عملية ما ضد رئيس جمهورية الجنوب. كل هذه الأخبار والسيناريوهات، لا تعدو كونها دسائس من بعض الدوائر الشمالية كما قال أتيم قرنق القيادي بالحركة الشعبية الحاكمة في جمهورية جنوب السودان أمس، ويعتبر أن كل هذه الأحاديث عن عمليات الإغتيال في الجنوب، ليست سوى فبركات إعلامية ترتبط في معظمها بمركز إعلامي شمالي بعينه، أو مؤامرات فعلية تحيكها دوائر شمالية عبر استمالة بعض العملاء الجنوبيين، ويستبعد أتيم إقدام أحد المعارضين السياسيين أو المنشقين العسكريين الجنوبيين على التخطيط لإغتيال رئيس الدولة هناك، على اعتبار أن ثقافة الإغتيالات هي ثقافة متوسطية وعربية وليست أفريقية على حد تعبيره. التاريخ السياسي للعديد من الدول الأفريقية، مليء بالإغتيالات السياسية كما يؤكد البعض، فتمبل باي الرئيس التشادي السابق، لقى حتفه فوق فراشه وداخل قصره رمياً برصاص من كبير حراسه، كما أن الكنغو التي تجاور الجنوب، راح فيها العديد من الزعماء ضحية عمليات قتل وإغتيال، مثلما كان الحال مع لوممبا، وآخرون، أما آخر الزعماء الأفارقة الذين تعرضوا لمحاولة إغتيال، فكان ألفا كوندي الرئيس الغيني الذي دعا بحسب «رويترز» أمس للهدوء بعد تعرض منزله لهجوم مسلح اعتبره مساعدوه محاولة اغتيال. لحسن حظ سلفا، وغيره من الزعماء السودانيين، في الشمال والجنوب، أن ثقافة الإغتيالات، خاصة على مستوى الرؤساء وكبار السياسيين، لم تكن شائعة في السودان القديم، لكن هذا الأمر كما يحذر البعض، يجب ألا يعول القادة في جمهورية الجنوبالجديدة عليه كثيراً، كبديل للتوافق ومحاصرة مبررات الاغتيال الأمنية والسياسية، وسد الباب أمام كل أشكال الصراع والعنف، ومنها خطط الاغتيال، سواء كانت تستهدف السيد سلفا، أو أي جنوبي آخر. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 20/7/2011م