يلاحظ المتابعون لأزمة دارفور التي دخلت عامها السابع حتي الان أنها ومع كل اقتراب يتم تحقيقه من مرسي الحل المستدام، فان عقبة تظهر في الأفق، وتتعالي أمواج لتسد الطريق علي سفينة السلام لترسو بسلام علي مرفئها الاخير, الأمر – علي غرابته – في غاية البساطة فهذه الازمة التي تشبت كأزمة محلية طبيعية يتداخل فيها النزاع القبلي المعتاد بين الرعاه والمزارعين من قبائل دارفور المختلفة, والمطالب التنموية التي ينظرون اليها شأنهم شأن سكان أقاليم أخري بأنها مظالم مشروعة، وصلت الي أقصي درجات التصعيد والتعقيد حتي تفوقت علي أزمة جنوب السودان علي الرغم من أن الاخيرة عمرها طويل يتجاوز الخمسين سنة. هذه الأزمة كما يقول الباحث محمود محمداني، الأستاذ بجامعة كو لوجيا الأمريكية في بحث حديث له، رجع فيه الي وثائق عديدة, وقرأ فيه صحفا ووسائل اعلامية متعددة. يشير الباحث الي نيكولاس كريسوف الذي يعتبر المعلق الصحفي الأوسع شهرة في صحيفة نيويورك تايمز وظل هذا المعلق الصحفي – لثلاثه سنوات خلت- بحسب الباحث حمداني يكتب باستمرار عن ما يسميه الابادة الجماعية في دارفور، وقد ظل كريستوف يقول ان هذه الابادة تستهدف ثلاثه قبائل افريقية كبيرة تقيم في دارفور- دون ايراد أسمائها بالتحديد- ولكي يدلل الباحث حمداني علي ما يسميه لعبة الاسماء والتهويل المبالغ فيه أورد حقائقاً عن منطلقات المعلق الصحفي نيكولاس كريستوف يقول د. حمداني (لقد زاد كريستوف دارفور (6) مرات صاحبتها حملة دعائية واسعة بدأت اولاها في مارس (اذار)2004. وبدأ كريستوف مقالاته بالحديث عن التطهير العرقي وبعد ثلاثه أيام فقط من مقاله حول التطهير العرقي – لاحظ فارق المدة- أورد كريستوف مقالا قال فيه ان ما يجري (ابادة جماعية) يرتكبها من وصفهم بالعرب ضد السود من القبائل الافريقية وأن الضحايا الذين يسقطون – اسبوعياً- بسبب هذه الابادة يربو علي ال(1000ضحية)!! وبعد مضي شهرين رفع كريستوف عدد الضحايا الي نصف مليون!! وحين صدر تقرير لجنة الاممالمتحدة حول دارفور في 25/2/2005 وتحدث عن تهجيرجماعي ولم يستطع التقري ايراد نسبة محددة للضحايا, فان كريستوف اضطر- تحت ضغط هذا التقرير – للقول ان عدد الضحايا يظل (غامضا) في دارفور وقد يتراوح فقط بين (70 ألف و 220 ألف)! أنظر الفارق ما بين أول مقال لكريستوف واخر مقال له طوال عامين!! ويشير الباحث حمداني الي أن الادارة الامريكية عقب تقرير الأممالمتحدة المشار اليه أعلاه بدأوا نيأون بأنفسهم عن الارقام والتقارير التي توردها الجماعات الناشطة بشأن دارفور وقد أبدي كريستوف بالغ أسفه وامتعاضه جراء رفض مساعد وزيرة الخارجية الامريكية انذاك روبرت زوليك وصف ما يجري في دارفور ابادة جماعية, وقرر كريستوف عقب ذلك أن عدد الضحايا (60 الي 160 ألف)! ثم عاد مرة اخري ليقرر أنه (40 ألف !!) وفي ابريل 2005, أدخل كريستوف الصين كواحدة من الجناه في دارفور باعتبار أن الصين تمول- عبر عمليات النفط- الحرب في دارفور وتورد السلاح للحكومة السودانية ويكشف الباحث عن أن كريستوف لم يتعرض مطلقا للمتمردين ومشاركتهم في العنف لأن العنف بالطبع لا يصدر عادة من طرف واحد. وهكذا فان هذا النموذج المبسط الذي أورده هذا الباحث واستقاه من صحف ومضابط رسمية يكفي وحده للتدليل علي أن هنالك بالفعل من يتاجرون بأزمة دارفور ومن لا يريدونها أن تنتهي وهو ما يمكن أن يفسر علي وجه التحديد لماذا كلما اقتربت الازمة من الحل توضع لها المتاريس والعراقيل؟!