الحضور الدولي الكثيف والوجود الإقليمي لتشاد واريتريا في احتفالية دولة قطر بالتوقيع على اتفاق بين الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة «الدارفورية» في غياب ثلاثة لاعبين في مسرح الحرب عن احتفالية التوقيع «خليل ومناوي وعبد الواحد». يطرح هذا الحضور تساؤلات مربكة حد الحيرة لماذا تقاصرت جهود الوسطاء ومن يقف من ورائهم لحمل وإقناع بقية الحركات الدارفورية للتوقيع على وثيقة الدوحة؟! أم أن تجزئة التوقيع وإطالة أمد التفاوض مقصود في ذاته؟! وأي التفسيرين صحيح.. يبقى السؤال لماذا لم تفلح دولة قطر والوسطاء «الأفارقة» في إقناع بقية الحركات المسلحة في دارفور للتوقيع على وثيقة ذات قيمة سياسية بمعيارية حجم القضايا التي خاطبتها الوثيقة والآمال المرتجاة من مفاوضات تطاولت لسنوات احتضنتها دولة قطر المسنودة بمال البترول وقوة وبطش ودبلوماسية الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لا يستعصي عليها حمل د. خليل وعبد الواحد وثالثهم مناوي في طائرة صغيرة للدوحة للتوقيع على الاتفاقية.. لكن هل الولاياتالمتحدة على وفاق مع حليفتها قطر بشأن القضايا السودانية؟! ü اتفاق الدوحة دليل وشاهد إثبات على منهج الحكومة السودانية الجديد بعد انفصال الجنوب بالنظر للقضايا وليس لتعدد البنادق وتأثيرها.. فحركة التحرير والعدالة، التي يقودها القيادي في حزب الأمة القومي وحاكم حتى إقليم دارفور حتي 30 يونيو 1989 د. التجاني سيسي، حركة سياسية مدينة تعول على قدراتها السياسية وعلاقاتها وإعلامها في التغيير ولا تتجاهل السلاح بالكامل، ولكنها لا تراهن على البندقية وحدها.. وقد كانت الحكومة السودانية قبل التاسع من يوليو لاتفاوض إلا من يحمل السلاح ولا تعترف إلا بمن يملك القدرة على دق أبواب العاصمة بالكلاشنكوف واليوم تفاوض د. التجاني سيسي وخطاب حسن وداعة وترفض منح منصب نائب الرئيس لدارفور علناً وتمنحه سراً للحاج آدم يوسف أو د. التجاني سيسي. ü اتفاق الدوحة يعيد د. التجاني سيسي للملعب السياسي والرجل ينتمي سياسياً لحزب الأمة وثقافياً وفكرياً لجماعة الحركة الإسلامية التي كان ناشطاً في صفوفها بشهادة آدم الطاهر حمدون، لكن حزب الأمة خطفه قبل انتخابات عام 1986 للاستفادة من ثقله القبلي ومن أسرة عريقة في قبيلة الفور.. شقيقه الأكبر الشرتاي فضل سيسي يحظى بثقل في زالنجي لا يضاهي ببقية قيادات الفور لكن د. التجاني سيسي تأمل طول المسير وعسر الطريق وتقدم باستقالته من وظيفته في الأممالمتحدة ولم يستقل من حزب الأمة فاختار الطريق «القصير» المؤدي للسلطة والمجد، ولكنه طريق غير آمن وجمع حوله منشقين من حركة العدل والمساواة مثل خطاب حسن وداعة ومنشقين عن حزب المؤتمر الشعبي كالدكتور هارون عبد الحميد ومنشقين عن حركة تحرير السودان تاج الدين نيام ولعبت قيادات دارفورية حكومية وأخرى قريبة من الحكومة ورجال أعمال مثل صديق آدم عبد الله «ودعه» دوراً مؤثراً في صناعة حركة التحرير والعدالة كترياق لحركات أخرى في مقدمتها حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور الذي يلعب منذ سنوات في ميدان قبيلة الفور وبيده سلاح النازحين واللاجئين والمعسكرات التي استطاع نور استمالتها إلى حركته بوعوده لها بتعويض سكان دارفور «أفراداً» بالمال ولم يضع عبد الواحد نور البندقية كرهان وحيد لتحقيق أهدافه.. وبدخول الدكتور التجاني سيسي ساحة «الحركات» في دارفور أخذ من نصيب عبد الواحد الكثير فالدكتور التجاني سيسي من أسرة فوراوية أباً عن جد وأم بينما ينتمي عبد الواحد من جهة الأب لقبيلة الجوامعة في كردفان ومن جهة الأم لقبيلة الفور.. ودخول السيسي حلبة السلام يشكل خطراً حقيقياً على نفوذ عبد الواحد الذي أخذ في التلاشي إذا استطاع سيسي مخاطبة الفور «بلغتهم» وجمع حوله قيادات القبيلة ورموزها.. لا تبدو حركة العدل والمساواة قريبة من اتفاق الدوحة رغم أن منبر الدوحة تم «توليفه» خصيصاً للتفاوض بين الحكومة وحركة العدل والمساواة ولقطر علاقات وثيقة مع الإسلاميين في السودان بالسلطة والمعارضة، والحركة الإسلامية الوحيدة التي تحمل السلاح «العدل والمساواة»، ولكن حينما تعثر التفاوض بعد الاتفاق الإطاري واختلف «الطرفان» في إجراء عودة الثقة وتثاقلت خطى الطرفين نحو السلام ولعبت الأطراف الدولية والإقليمية أدواراً سالبة في وأد الاتفاق الوشيك.. استبدلت الوساطة د. خليل إبراهيم بالدكتور التجاني سيسي وتعثرت بعد ذلك كل محاولات عودة د. خليل لمنبر الدوحة رغم حشود المفاوضين التي «تكتظ» بها فنادق الدوحة التي أصبحت محطة إعلامية وسياسية لحركة العدل والمساواة التي جددت رفضها للاتفاق قبل يوم من التوقيع عليه ونعتته بالفشل، ولكن الحركة لم تهاجم د. سيسي كما توقع المتحدث باسمها أحمد تقد لسان.. ü اتفاق الدوحة لن يوصد باب التفاوض للأبد كما جاء على لسان بعض قيادات المؤتمر الوطني، ولكنه قد يفتح الباب لانضمام بقية الحركات المسلحة في سياق اتفاقيات جزئية تنال بموجبها الحركات الرافضة للتوقيع كالعدل وحركة التحرير بقيادة مناوي وحركة التحرير بقيادة عبد الواحد نور نصيباً من السلطة بترتيبات سياسية ثنائية مع الحكومة وترتيبات عسكرية لإدماج قواتها في «الجيش القومي».. لكن الحديث عن لا تفاوض بعداليوم ومن شاء فليوقع على الوثيقة خلال ثلاثة ومن يرفض التوقيع لن تفتح له أبواب الحوار مجدداً، حديث يفتقر لقراءة تاريخ الحكومة القديم والحديث مع المعاهدات والمواثيق.. فقد قالت الحكومة بعد «أبوجا» إنها غير مستعدة للتفاوض مع رافضي أبوجا، وذهب مبعوث دولة هولندا في مفاوضات أبوجا لموقف أكثر تطرفاً حينما قال مستر يان برونك «لن يتم إضافة شولة أو نقطة في اتفاق أبوجا».. ومن المفارقات إن يان برونك نفسه قد تم طرده من السودان ودخلت الحكومة في مفاوضات مع الرافضين لاتفاق أبوجا الذي ذهب بعض ممن وقعوا عليه للدوحة وأصبحوا نافذين في تنظيم حركة التحرير والعدالة وغداً يعودون وسط زخم إعلامي واهتمام حكومي سرعان ما يصيبه الفتور وتبدأ شيخوخة الاتفاقيات بتنصل الموقعين عليها من الطرفين.. وأحكام الواقع تقول في الميدان الآن حركات عسكرية ممثلة في «أركو مناوي» ود. خليل إبراهيم وحركة سياسية يقودها عبد الواحد نور.. ولن تبدل اتفاقية الدوحة كثيراً من الواقع على الأرض إذا لم تأخذ الحكومة في حسبانها قضايا جوهرية «تعيق» جهود المصالحات على الأرض وفي مقدمتها «توطين» العدالة بقدرة الدولة وملاحقة المجرمين والجناة والقبض عليهم والاقتصاص من الذي يقتل النفس بغير حق ويتقمص شخصية الدولة ويجعل من ذاته فوق القانون! نقلاً عن صحيفة آخر لحظة