إذا صح ما أشيع عن ضلوع الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية فى حادثة العقيد قلواك قاي التى وقعت مؤخراً، وهى فرضية غير مستبعدة وتدعمها شواهد عديدة فان فى ذلك إشارة الى ان الحركة الشعبية و وصلاً لنهج سابق معروف ومتعارف لديها قررت تصفية الحركات الجنوبية المسلحة المتمردة فى الجنوب على هذا النحو . فالقتيل قواك قاي كان متمرداً كما هو معروف ولكن تم توقيع وقف إطلاق نار معه - بمعزل عن بقية حملة السلاح - وأوكل إليه منصباً بولاية الوحدة ، ولكن سرعان ما إنتاشته رصاصات يبدو أنها كانت تنتظره فى منعطف ما بإيعاز من جهة ما، فى إطار القضاء على التمرد الذى عجزت الحركة الشعبية طوال عام ونصف عن القضاء عليه. ويبدو ان الحركة الشعبية أدركت تمام الإدراك ان المواجهات المسلحة مع المتمردين الجنوبيين لن تأتي بنتيجة ، فقد وقعت عدة مواجهات كان الهدف منها (سرعة تصفية هذه الحركات) ولكنها اصطدمت بصخرة صلابة القوي المتمردة. كما شكل عامل الوقت والظروف الحالية دافعاً اكبر للإسراع بالقضاء على قادة الحركات المتمردة، حيث تأسست سياسياً دولة جنوب السودان وأصبحت دولة مستقلة قائمة بذاتها وأدرك قادتها ان من أهم مقومات الدولة و عناصر بقائها الأمن والاستقرار ولذا لا بُد من بسط الاستقرار بشتى السبل. غير ان النتائج السالبة التى ترتبت على هذا المسلك هو ان بقية القادة المتمردين أدركوا او ازدادوا إدراكاً بعدم جدوي التفاوض مع حكومة الجنوب وذلك وببساطة شديدة لأن رصاصات التصفية واصلة الى صدورهم أو ظهورهم عاجلاً أم آجلاً لا محالة وما التفاوض وعقد الاتفاقات سوي خديعة الغرض منها استغفال الخصم الي حين الإجهاز عليه فى اقرب فرصة مناسبة ، ولذا فان كانت هنالك من خسارة سياسية وقعت على حكومة الجنوب فهي أنها فقدت تماماً عنصر المناورة السياسية ولم يعد خصومها يثقون فيها وهو ما من شأنه ان يحول دون تمكنها من (مخادعة) متمرد آخر والتفاوض معه فى ظل المصاعب الجمة التي تقف دون تمكنها من القضاء عسكرياً على هؤلاء المتمردين. الامر الثاني ،ان المتمردين سوف يعملون جهدهم للانتقام للقتيل – و قد توعدوا الجيش الشعبي وقادة الحركة بذلك بالفعل – وهذا سوف يفتح باباً واسعاً لعمليات الاغتيال المتبادلة بحيث لا ينجوا منها أحد . وهكذا فان الحركة الشعبية ومن حيث أرادت إطفاء الحريق وبدلاً من استخدام الأداة المناسبة الكفيلة بالإطفاء ، فإنها استخدمت النار لإطفاء النار، فأزداد الموقد إشتعالاً .