تحليل سياسي رئيسي لا تعتبر حادثة اغتيال العقيد قلواك قاي التى جرت وقائعها قبل يومين بولاية الوحدة بجنوب السودان أمراً شاذاً أو شيئاً غير مألوف، فقد عرفت الساحة السياسية الجنوبية فى مراحل مختلفة هذه الاغتيالات ذات الطابع السياسي، بل ان الحركة الشعبية على وجه الخصوص وطوال الحقبة التى كان يقودها فيها زعيمها الراحل قرنق شهدت عشرات حالات التصفيات الجسدية لعدد من القادة لعل أبرزهم وليام نون وكاربينو كوانين اللذان لقيا مصرعهما على يد الجيش الشعبي بتخطيط قرنق وتوجيهه؛ بل ان الحركة الشعبية حتى بعد رحيل زعيمها قرنق والذي يعتبر رحيله الغامض نفسه موضع اتهام وتساؤلات لم تنحل عن نهج التصفيات الجسدية ولدينا فى ذلك محاولة اغتيال الدكتور لام أكول زعيم التغيير الديمقراطي بولاية أعالي النيل فى العام 2009 ثم محاولة اغتيال عقيلة الدكتور رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب والوزيرة السابقة بوزارة النفط السودانية، وأخيراً إشاعة عن محاولة اغتيال زعيم الحركة نفسه الفريق أول سلفا كير فى وقت متزامن مع تدشين دولة جنوب السودان الوليدة وإحباط -جهات غريبة وأجنبية- بحسب ما توفر من أنباء - للمحاولة وإشارة أصابع الاتهام لخصوم الرجل داخل الجنوب نفسه. إذن حادثة قلواك قاي بالنظر الى مجمل مجريات الأحداث فى جنوب السودان لا غرابة فيها ولم تخرج عن السياق العام المتعارف عليه، فالعنف وإسالة الدماء فى جنوب السودان يبدو أمراً عادياً فى إقليم يكتظ بالأعراق وتتقاطع فيه مصالح القادة والساسة و ينتشر فيه السلاح بكثافة كبيرة . و لكن من وجهة أخري فان حادثة قلواك تبدو هذه المرة عنصراً مهدداً بدرجة كبيرة لأمن واستقرار الجنوب وذلك لعدة اعتبارات ، أولاً: الحادثة هى الأولي بعد ان تحول الجنوب من إقليم ضمن السودان الموحد الى دولة قائمة بذاتها، ومن ثم فان تأسيس دولة فى هذه المرحلة المبكرة من نشأتها على أساس الدماء والتصفيات السياسية بحيث تستباح دماء القادة والساسة بهذه البساطة من شأنه ان يقضي على العمود الفقري للدولة وهو الثقة بين اللاعبين السياسيين وسلامة الملعب نفسه وقواعد اللعبة ، وهو أمر بالغ الخطورة حيث لن تكون هنالك (قدسية) لأي قيادي ولا احترام لأي سياسي ولا حصانة لأي دماء. ثانياً: من شأن الحادثة توسيع نطاق التصفيات الجسدية وتصعيدها وجعلها (بلا سقف محدد) بحيث يدخل فيها كل من يصبح فى المرمي المناسب فى الوقت المناسب، ولهذا يستلزم تحصن كل قائد بقبيلته وحتى داخل القبيلة فان الامر سيقتصر على أفراد محدودين للغاية خشية الاختراق . ثالثاً: الحادثة جرت فى ولاية الوحدة ولم يستبعد بعض المراقبين ضلوع بعض من منسوبي إثنية النوير فى الحادثة بما قد يدفع الى فتنة داخل النوير تلقي بظلالها على مجمل الوضع القبلي فى الجنوب بأسره. و أخيراً فان مرحلة الدولة مرحلة خطيرة فهي إما ان تتأسس على نمط حديث، القاعدة فيه هى المواطنة، وإما ان تتأسس على نهج قبلي – وهذا هو الراجح – ومن ثم تفشل الدولة فى إدارة التنوع و ينتهي الامر بدعوات انقسامية ونزعات انفصالية تذيق الجنوب من ذات الكأس الانفصالي الذى أذاق منه الشمال .