تحليل رئيسي عجبت كل القيادات والأوساط السياسية السودانية - حاكمة و معارضة- من حديث زعيم الحركة الشعبية الفريق أول سلفاكير ميارديت الذى حرض فيه مواطني الجنوب على(الثأر) من أجله اذا تعرض للاغتيال! وبدا سلفا كير غريب الوجه واليد و اللسان فى بلد مثل السودان لم تعرف مضابط التاريخ السياسي فيه الجرائم التى تسيل فيها دماء القادة السياسيين تصفية و اغتيالاً . ولعل ان كان للممارسة السياسية السودانية فى تاريخها الطويل من مزايا فهي أنها (بيضاء ناصعة) لا يدخل فيها عنصر الدماء قط كمعادل موضوعي للوصول الى الأهداف أو تسوية الخلافات السياسية.و لعل أول الذين تملكهم الاستياء جراء تصريحات كير هم قادة الحركة الشعبية أنفسهم ، الذين يدركون دلالات وصول الفريق كير لهذه الدرجة المحرمة فى علاقات السياسة . و الفريق كير بالطبع لم يشر الى دوافعه او مبرراته لهذا التحريض المؤسف والمؤلم معاً ،و لئن افترضنا ان للرجل معلومات استخبارية - والأمر هنا يضحك و يبكي- فان مثل هذه الأمور إنما يتم وضع التدابير الخاصة بمنعها و الحيلولة دونها فى صمت ، كما تقتضي قواعد التعامل الاستخباري و التصريح بها لا شك أنه يعطي انطباعاً عميقاً بأن القصة من أولها لآخرها بلا أساس . كما أننا لو افترضنا ان الفريق كير نظر الى (سوابق) حدثت فى الماضي فإننا لن نجد و إن وجدنا فأننا نجد شيئاً يثير الشك فى مواجهة الفريق كير نفسه ، وهو حادثة مقتل زعيم الحركة الراحل قرنق ، فقد كان كير من أشد الرافضين لأي تأويلات أو حتى تساؤلات بشأن حادثة قرنق رغم ما حملته من ظلال حول دور لجهات دولية بعينها فى الحادثة وقد أصدر كير قرارات قاسية وصلت حد الفصل من الحركة بحق قياديين منها هما(تيلار دينق و أليو أجانق) لمجرد أن هذين القياديين – الذين شغلا مناصب وزارية مركزية هامة – تشككا فى ظلال الحادثة ،و أوردا تساؤلات حولها. الفريق كير كان كمن يصم أذنيه و عقله عن سماع ما وراء الوراء ،ومن المؤكد ان كير لو كان قد فهم هذه التساؤلات على أنها اتهامات تجاه من يتهمهم الآن بأنهم يودون اغتياله و يطلب من مواطني الجنوب الثأر منهم ، لما تواني فى دعم تساؤلات هذين القياديين ! غير ان الرجل كان يود اجتياز (الوادي الوعر) .. هذا لأنه يشير الى قوى دولية بعينها. ولعل من مفارقات القدر وسخرياته ان كير بحديثه هذا عن الاغتيال و الثأر – و ربما من حيث لا يدري – أكد على حادثة اغتيال قرنق ! و هذا واضح من خلال افتراض أن قرنق ربما دفع ثمن وحدويته و ربما – بحسب هواجس كير وأفكاره الخاصة – عليه هو –أى كير- ان يدفع ثمن التوجه الانفصالي! ولكن كير تجاهل حقيقة ألا وجود لفرضية الاغتيال فى الساحة السياسية السودانية وان كان يخشي من (اغتيال خارجي) فان عليه ان يحصن عرينه و يزود عنه كما ينبغي ،أو أن يطلب – باعتباره نائباً أول للرئيس – تكثيف الحراسة حوله بدلاً من إرسال تهديد خالي المحتوي لحادثة خالية من المضمون و المغزي ، لم تطف بعد إلا بخياله وحده !