بذات الأسلوب، وذات الطريقة تتجه بعض أدوات الدعاية الغربية المعروفة لإعادة تلوين أحداث جنوب كردفان بذات الألوان التى استخدمتها فى اللوحة السريالية التى رسمتها فى إقليم دارفور. لا خلاف مطلقاً فى هذه وتلك، فقد بدأت تترامي للمسامع أحاديث عن جرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية ومزاعم عن أقمار صناعية رصدت مقابر جماعية. والي ولاية جنوب كردفان أحمد محمد هارون وضمن مؤتمر صحفي عقده خصيصاً للأحداث ظهيرة الثلاثاء الماضي بالمركز السوداني للخدمات الصحافية بالخرطوم نفي نفياً قاطعاً وقوع إبادة جماعية فى الولاية وأورد فى هذا الصدد دليلاً منطقياً قاطعاً فحواه ان القتلي الذين سقطوا فى الأحداث تولي الهلال الأحمر عمليات دفنهم ووقف على أعدادهم ولأيِّ جهة يتبعون . و الواقع ان هذه الحقيقة -وحدها- كفيلة بدحض هذا الاتهام إذا كنا نتحري الموضوعية والمصداقية ، إذ لا نعتقد مطلقاً ان الحكومة السودانية شديدة السذاجة لهذه الدرجة لكي ترتكب جرائم إبادة جماعية ضد مواطنين كانوا قد صوتوا لصالحها للتو ؛ وفى ولاية شديدة الأهمية لها حاضراً ومستقبلاً تنافسها فيها الحركة . يأبي المنطق الموضوعي السليم استيعاب أمر كهذا . ومن جانب ثانٍ فان من الصعب ايضاً ان نتصور ان الحكومة السودانية تفعل كل ذلك وهى تعلم أنها محاطة بمنظمات دولية عاملة فى الاقليم وقريبة من الأحداث بحيث تتيح لها مشاهدة كل شيء لتلف حبل المشنقة على عنقها ! الامر الثالث - لو صحَّت فرضية الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية هذه- فان الولاية تعج بمنسوبي الحركة وقادتها الذين اختلفوا مع الحلو وفى تمرده و بإمكان هؤلاء وهم لصيقين بالأحداث ان يصرحوا بما يرونه لو كان صحيحاً ، ولكنهم ظلوا على الدوام ومنذ بداية الأحداث يدينون مسلك رفيقهم الحلو . الامر الرابع ، فان ولاية جنوب كردفان ولاية تمثل نموذجاً حياً للانصهار العرقي ، فما حاجة الحكومة لإبادة جماعية وسط هذا الانصهار ، بل ان الحزب الوطني الذى فاز بأغلبية هناك إنما فاز بدعم الاثنيات العرقية المختلفة ومن بينها اثنية النوبة، وهنالك الآلاف من هذه الاثنية ممن يدعمون الوطني وينتسبون إليه ، فهل يعقل ان يلزم هؤلاء الصمت حيال أمر كهذا يقع بين يديهم ؟ ما من شك أنه نموذج دارفور يُراد نقله حياً الى جنوب كردفان بغية التضييق سياسياً على الحكومة السودانية ، بل ان الولاياتالمتحدة على وجه الخصوص إنما تستخدم مثل هذه الاتهامات لأغراض التنصل من التزاماتها التى قطعتها للحكومة السودانية بشأن رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب التطبيع مع الخرطوم، لكل ذلك فان الامر صعب أخذه مأخذ التصديق والموضوعية و لا يعدو كونه من قبيل إلصاق التهم والبحث عن الذرائع .