تحليل سياسي بالطبع من حق أى حزب سوداني معارض أو غير معارض الاحتفاظ بعلاقة سياسية بالحركة الشعبية الحاكمة فى جمهورية جنوب السودان؛ كما أن من حق اى حزب سوداني السعي لتوظيف هذه العلاقة لخدمة البلدين و مصالحهما المشتركة، غير ان الخطورة تكمن فى خطأ استراتيجي فادح وقعت فيه القوى السياسية السودانية المعارضة فى السابق – فى علاقاتها بالحركة الشعبية تعود الآن ذات هذه القوى لإعادة ارتكاب ذات الخطأ سواء مع الحركة فى الجنوب أو ما تبقي منها فى الشمال. ففي السابق أرخت القوى السودانية المعارضة ظهرها للحركة الشعبية لتعتليه الأخيرة وصولاً لأهدافها بحيث يمكن القول – دون مغالاة او مبالغة – ان أكثر ما أعان الحركة الشعبية على تعبئة مواطنيها ودفع إقليمها الجنوبي باتجاه الانفصال هو (وجود القوى المعارضة فى جيبها الخلفي) ، فقد أتقنت الحركة وقتها مهارة البقاء فى السلطة ضمن شراكتها مع الوطني وارتداء ثوب المعارضة فى ذات الوقت لإرضاء القوى المعارضة، وهذا الواقع جعل قوي المعارضة تعتقد ان الحركة إنما تنسق معها لإسقاط الوطني ولهذا بذلوا لها الغالي والنفيس وتبعوها فى جوبا وفى الخرطوم ودخلوا وراءها أينما دخلت حتى إذا حان أوان الاستحقاق الانتخابي (ابريل 2010) دخلت الحركة دارها الجنوبية وأغلقت الباب وراءها تاركة رفاقها فى الخارج ينامون ليلتهم الصيفية الساخنة ويحلمون أحلام ليالي الصيف المليئة بالكوابيس واللامعقول . الدرس كان بليغ ، فالحركة أدارت انتخابات الجنوب بما يضمن لها وجودها وكانت زاهدة أصلاً فى الشمال، والقوى المعارضة لا حققت فوزاً فى الشمال ولا وجدت مساندة من الحركة. الآن تسعي ذات هذه القوى للعب مع قطاع الشمال مع ان هذا القطاع من الناحية السياسية لا يساوي جناح بعوضة. ان أفضل منطق يمكن عبره التخلص من قطاع الشمال- إن كانت القوي المعارضة حية وقوية حقاً – هو انه قطاع غير مشروع ، وهو منطق يمكن للقوى المعارضة ان تطرق عليه بشدة وعنف حتى ولو لم يجد ذلك أذناً صاغية من الوطني ، ففي ذلك وضع للأمور فى نصابها ، وتحاشي لما جري فى السابق فقطاع الشمال لا يود العمل كحزب سياسي عادي شأنه شأن كافة الأحزاب السودانية وهو يسعي لأمرين خطيرين، أولهما خلق جنوب جديد – بذات المعطيات ، وبذات التعقيدات ، بذات السعي لإستيلاد دولة جديدة هى دولة سوف تخصم من عمق اللحمة الشمالية ، بل من صميم قلبها . ثانيهما ، ان قطاع الشمال يستهدف ذات الثقافة الإسلامية العربية التى استهدفتها الحركة الشعبية وجعلتها تعبئ جنوبها للانفصال بحجة عدم الخضوع لثقافة الأغلبية العربية الإسلامية. وما من شك ان قوي المعارضة اذا لعبت ذات هذه اللعبة من جديد فهي الخاسرة الكبرى لأن من الطبيعي ان تتحول هى نفسها كهدف تنتاشه سهام قطاع الشمال الذى يسعي ليصبح امتداداً طبيعياً لدول الجنوب وخلخلة البنيان البنيوي والسياسي والاجتماعي للسودان. ان المعادلة هذه المرة اخطر من سابقتها ولا وقت كما يقولون بعد هذه الدروس لبداية جديدة !