هل لدولة الجنوب الجديدة (العضو 193 في الاممالمتحدة)، تعريف آخر غير الذي أطلق او تنبأ به باحثون ومحللون غربيون «أنها نتاج ولادة صناعية» وبالتالي يصعب التكهن باستمرارها او بقائها؟ ام هل هي الدولة التي تفتقر للخلفية وللكياسة السياسية؟ يأتي التساؤل في اطار تعريف اللحظات الفاصلة في حياة الشعوب وفي مسيرة الدول، كيف تتصرف؟ وكيف تعبر؟ وكيف تتعامل؟ ويمكن الالتفات الى نموذج السودان عندما قرر اعلان الاستقلال عام 1956م من داخل البرلمان عوضاً عن الاتحاد بين شطري وادي النيل وحرصاً على وحدة شمال وجنوب السودان، وجاءت اشادة السودان بمواقف مصر وجهودها المخلصة، «واياديها البيضاء نحو أهل السودان» «وتطلع الى تواصل واخاء ابدي لا ينقطع ولا ينفصم» وفي الواقع ان السودان أثبت للشقيقة مصر انه الشقيق والسند والعون الذي يؤمن ظهرها في لحظات الأمن والمحن، فبعد تسعة أشهر فقط من اعلان استقلاله وقع العدوان الثلاثي بريطانيا وفرنسا واسرائيل على مصر، واحتلت جيوش العدوان القناة وسيناء المصرية، فاذا السودان كله حكومة وشعباً وجيشاً يقف بصلابة وجرأة في مواجهة العدوان الثلاثي ويضع كافة امكانياته وموارده تحت تصرف مصر ثم يدير المعركة الدبلوماسية في الاممالمتحدة التي دفعت الى انسحاب الجيوش الغازية من مصر وقناتها، واثبت السودان، أن الإخوة والجوار خلق ومواقف والتزام، ثم التفت وقارن خطاب الرئيس الفريق سلفاكير بمناسبة اعلان الدولة الجديدة في 9 يوليو مجرد اشارة الى «علاقة خاصة مع الشمال» ثم انظر الى نوع «العلاقة الخاصة» عندما يوجه حديثه «اؤكد لمواطني أبيي ودارفور ، والنيل الازرق وجنوب كردفان اننا لم ننسهم عندما يبكون نبكي وعندما ينزفون ننزف » ثم انظر الى فعل الدولة الجديدة فور انتهاء مراسيم الاحتفال باعلان انفصالها او استقلالها، لقد سارعت وفي عجلة مثيرة الى طباعة وانزال العملة الجديدة لتحل مكان «العملة السودانية» فعلت ذلك رغم انها في اجتماعات اللجان المشتركة وبحضور ومشاركة الوسطاء في اديس ابابا طلبت بامهال في التداول بعملة الجنيه السوداني لفترة بين( 7 الى 9 ) أشهر تطرح بعدها عملة دولة الجنوب وتسحب العملة القديمة، ولم يكن من تفسير للخطوة المفاجئة سوى ما قدره خبراء بانها محاولة لخلق ازمة مالية ونقدية تربك سوق العملات الحرة في الشمال، ولكن حنكة البنك المركزي «بنك السودان» وخبرته عجلت بالعملة الجديدة الموازية للجنيه واحبطت اجندة الازمة او الربكة التي ارادتها جوبا. وانظر ايضاً للتعامل النقدي الحضاري عندما أعلن السودان استقلاله، فجاء الترتيب مع الدولتين مصر وبريطانيا واتخاذ الاجراءات المطلوبة لاصدار العملة الوطنية الجديدة، وتمت طباعتها وطرحها لأول مرة بعد أكثر من عام ونصف العام في صيف 1957م .. ثم سحبت العملات المصرية والبريطانية ،و اتسم العمل النقدي بالتعاون والتفاهم والاصول معاً ، ومن المفارقة ان ينتقد الناطق باسم حكومة الجنوب او باسم الحركة الشعبية انزال العملة الجديدة في الشمال، كما يعتبر قرار الخرطوم الخاص بسعر تكلفة خدمة نقل النفط الى التصدير الخارجي عبر ميناء بورتسودان «بمثابة سرقة في عز النهار» ويصعب وصف هذه اللغة بانها لغة حكومة او دولة، فالدولة محكومة باعراف وتقاليد، فاذا تحفظت على قرار أو اعترضت او رفضته فانها تتحدث بلغة الدولة وتستند الى حيثيات للرفض والاعتراض او التحكيم ، آخر ما يمكن ان يقال في شأن اقتصادي او مالي اطلاق مثل ذلك القول الذي لا يتفق مع معاملات وهيبة الدولة ولا يتسق مع روح الجوار ولا تعامل الاشقاء ولا يتفق مع لغة التفاهم والمصالح .. ثم انظر ايضاً الى كيف يكون الشكر والعرفان والتقدير بين الدول المتحضرة العريقة وكيف ترد الجميل؟ فعندما اعترف السودان بالصين كدولة عظمى في عام 1958م وحقها في عضوية الاممالمتحدة ومجلس الأمن، وكانت بذلك - اي حكومة السودان- اول دولة في العالم تفعل ذلك، فان الصين العظمى ارادت التعبير عن تقديرها فبعثت رئيس الوزراء ورجل الصين القوي الحصيف شوين لاي الى الخرطوم لينوب عنها في ذلك وعندما علم ان السودان يواجه مشكلة في تصريف او في بيع اقطانه سارع فوراً الى شراء كل مخزون القطن في السودان، وقال مازحاً: لو ان كل صيني اضفنا الى ردائه بوصة واحدة من القماش فان حاجتنا ستظل مستمرة لقطن السودان. هذه المقارنات او المؤشرات الصغيرة ودون انتقاء قد تقود الى اجابة حول ما تمثله الدولة الجديدة في الجنوب، ولن تغيب الحقيقة الاهم ان السودان احرص ما يكون على تقديم العون والمساندة والدعم للدولة الجديدة لان وجود الدولة المؤهلة يدعم الجوار الحسن والمصالح المشتركة ويعزز التفاهم والتواصل والثقة المتبادلة. نقلا عن صحيفة الراي العام السودانية 4/8/2011م