كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تقارير: القوات المتمردة تتأهب لهجوم في السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضية العملة بين دولتي السودان وجنوب السودان على ضوء تقرير نهرو وجيجبيهوي.. إعداد: عادل حسون
نشر في سودانيل يوم 14 - 12 - 2011

قضية العملة بين دولتي السودان وجنوب السودان على ضوء تقرير
نهرو وجيجبيهوي
دروس الماضي.. عبرات الحاضر
إعداد: عادل حسون
لعنة القدر
الساسة في الشمال والجنوب الذي غدا دولة مستقلة أغفلوا، عن عمد مشترك أو سهوا مريعا، إبان المحادثات حول القضايا الاقتصادية العالقة بين طرفي اتفاقية السلام الشامل، الحسابات الربحية المحضة ذات القيمة المضافة لكل من شعبي الطرفين، بما حصد حربا للعملات بين دولتي السودان وجنوب السودان تحت سماء توتر ملحوظ في الاقتصاد الكلي لهما بما في ذلك الحركة التجارية التبادلية بين البلدين. حرب للعملات لم تشبه سحب الجنيه المصري وفئات النقد المعدنية من عملة الجنيه الإسترليني المتداول في أنحاء البلاد السودانية بنهج السلاسة في الخمسينات الماضية بعد اتفاقية تقرير المصير بين دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر وإعلان استقلال السودان من داخل البرلمان واتجاه الأخير لإنشاء عملة مستقلة بمسمى الجنيه السوداني. لربما يتفق القارئ الكريم، وربما الزملاء المراقبين، معنا، حين الإدعاء بأن قضية العملة كانت لتكون إحدى أروع التمارين التطبيقية في عملية تنفيذ اتفاق السلام نصا وحرفا كالتزام تعاهدي بين طرفين أهليين. ذلك في تجليات التطبيق في الميادين الاقتصادية وفقا لبروتوكول قسمة الثروة المضّمن في الاتفاقية والدستور، بحيث ينتج قيمة مضافة من القرارات التنفيذية الصحيحة والإدارية السليمة تمثل ذخيرة معرفية ومرجعية للحاضر والمستقبل، بل ومفخرة للدنيا (والعالمين) وقبلهم السودانيين الشماليين والجنوبيين. حسناً، الأهم من ذلك، إرساء سفن التجارب وعجلات التطبيق للتوصل إلى الخيار الصحيح لكل طرف من باب الجدوى الاقتصادية وأرباحها. ولكن، وفي الحقيقة، فإن قضية (العملة) التي وصلت سريعا إلى حرب عملات مستعرة بحطب التهريب والتزوير وفلتات الرقابة على النقد الأجنبي وإعاقة التحويلات النقدية بين البلدين وتحجيم التبادل التجاري بتعقيد أداته الأساسية وهي ذاتها العملة، لأعقد من ذلك بكثير. بحيث لا الساسة المنتخبين، متخذي القرار، ولا الاقتصاديين العالمين، بجدوى القرار الاقتصادي قادرون على الاختيار السليم من وجهة النظر الاقتصادية، وأولاً من طريق تنفيذ بنود اتفاقية السلام الشامل في هذا الإطار. وبطبيعة الحال إعلان أي (دولة) إنشاء عملة منفصلة أو مستقلة عن العملة أو العملات التي كانت متداولة في الإقليم المعني يرتب محاسن ايجابية ولكن بذات القدر، يزيد أو ينقص، سوالب اقتصادية مقلقة وخاسرة. وضمن ذلك تجربة إنشاء عملة مستقلة في الجنوب وتغيير الجنيه السوداني بعد الانفصال. كيف ذلك؟، سنتعرف عليه في موضعه، بيد دعونا، بداية، ننصب منصة لعقد المقارنة بين تبديل العملة في الخمسينات بين السودان ومصر مع المثال الحالي، أي العملة (المتغيّرة) بين دولتي السودان وجنوب السودان. ننطلق في ذلك من وثيقة استرشادية- نورد جزءها الأول بعد قليل- كتبتها بريطانيا من منطق اقتصادي بحت يقف من خلفه دافع سياسي مباشر. من هذا المثال، توصية الوثيقة إذ حثت بإلحاح شديد على وجوب أن لا يتعامل السودان بأي شكل من الأشكال مستقبلاً عبر منطقة الجنيه المصري. وأنه، السودان، في موضع الخيار بين أن يصبح عضوا حرا في منطقة الحسابات القابلة للتحويل، أو أن يكون عضوا كاملا في منطقة الإسترليني. هذا لا يعني أن التوصية جانبها الصواب ولكن المعنى في تدعيم التوجه الاستقلالي للسودان. ومن ذا أيضاً في معنى أن يستقل السودان عن مصر دون تطبيق أو تنفيذ للبند الخاص باستفتاء السودانيين على حق تقرير المصير الوارد في اتفاقية الحكم الذاتي بين (لندن والقاهرة) في 1953م، والذي كان يرجح منه أن يفضي لوحدة فورية مع مصر عطفا على نتائج الانتخابات البرلمانية في ذات السنة، وقد أفرزت أغلبية اتحادية وأقلية استقلالية وبعض المقاعد القليلة لأحزاب الجنوب والجمهوريين الاشتراكيين والجبهة المعادية للاستعمار والمستقلين. سيتسع حاجب الدهشة عاليا حين نعرف أن البرلمان السوداني أقر في 1955م بمجلسيه الشيوخ والنواب من حيث المبدأ، بإنشاء عملة منفصلة مع تأجيل الشروع فيه إلى ما بعد الاستفتاء على تقرير المصير، والبدء في التفاوض مع مصر، بشأن الشروط المطلوبة لإعادة العملة الورقية والمعدنية المصرية إلى مصر. بينما كلنا نعرف في أيامنا هذه أن المفاوضات بين حكومة السودان وممثل جنوب السودان الحركة الشعبية قد علقت عند أول صخرة اصطدمت بها المحادثات السياسية بين الجانبين في أديس أبابا تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ولجنته السامية برئاسة رئيس جنوب أفريقيا السابق ثامبو أمبيكي، في يونيو 2011م. (البترول الجنوبي) كان الصخرة فكان البترول هو السبب. الطرفان اتجها بسرعة جنونية للانحدار إلى حرب العملة بينهما، ظهر أبرز مظاهرها في إصدار عملة مستقلة لدولة جنوب السودان، وتبديل علامات ورموز جنيه دولة السودان وكذلك إعدام بعض فئات الجنيه السابق كقرار واختيار، سلبي تصادمي. بريطانيا تصّدرت المسرح وكان لها مبررها المفهوم في نهجها سياسة تغذية التوجه الاستقلالي للسودان على مستوى العملة، بما حال دون وحدة نقدية بينه ومصر في الخمسينات، ولو لفترة مؤقتة، فماذا ذا الذي وقف خلف الكواليس وتسبب في عدم الاتفاق بين شمال وجنوب السودان في قضية العملة، ولو، لتنفيذ الوحدة النقدية المؤقتة بفترة انتقالية كما نص عليه في اتفاقية السلام؟، شخوص، سياسات، توجهات، نفسيات، أم ماذا؟. وهل قصر النظر الإستراتيجي في شأن فوائد العملة الموحدة؟، أم علت رغبات الساسة على جدوى الحسابات الاقتصادية، الفوائد الاقتصادية المباشرة بالأحرى؟. من حيث المبدأ وبالتطبيق على المثال السابق في الخمسينات كان للجنوب عند إعادة الكتلة النقدية المتداولة بإقليمه إلى السودان وفق نصوص الاتفاق واتفاق الجانبين، أن يتحصل في المقابل على نصيب تناسبي من الغطاء للنقد الصادر من بنك السودان المركزي، وهذا كما كان الحال عليه بالنسبة لسابقة الهند والباكستان. وبعبارة أخرى، عند فصل العملة (بإحسان) كان لجنوب السودان استحقاق في نصيب من غطاء العملة الصادرة والمتحفظ به في مصلحة الإصدار التابعة للبنك المركزي في الخرطوم، الأمر الذي سيرفع من أرصدة جنوب السودان من الذهب والعملات الأجنبية. قريبا من ذلك كان يمكن من حيث المبدأ أيضاً أن يسترد جنوب السودان ديونه من السودان، عند تغيير العملة، بزيادة مشترواته من السلع السودانية. كان بالإمكان اتخاذ خطوات جادة لتحسين فعالية مراقبة النقد الأجنبي في الجنوب بالاستناد إلى خبرات بنك السودان المركزي في الخرطوم المتراكمة في هذا الإطار، وبغرض الحفاظ على إيرادات جنوب السودان من النقد الأجنبي وطريقة استخدامها والرقابة على الاستخدام. هذا كله بطبيعة الحال انتهى إلى أماني ماضية وخيال سراب، ولكن كيف هي الدروس المستفادة بالنسبة لمستقبل الشعبين الشقيقين، من الوثيقة التاريخية المعنونة ب (عملة منفصلة لسودان مستقل)؟؟*. الوثيقة التاريخية- وجزأيها تقرير مفصّل ورسالة تمهيدية- تبقي سؤالاً أساسياً سيغدو مثار بحوث تطبيقية وفسحة براح للبحاثة التنقيب في كل الكنوز العلمية الاقتصادية لتطبيقات السياسة الشرعية في كل من الخرطوم وجوبا في السنة الأخيرة- 6 أشهر قبل إعلان الدولة الجنوبية والستة أشهر التالية لإعلانها- وهذا على الأقل. وفي الأثناء، نعرض للب الوثيقة لمحاولة مجاوبة الأسئلة ما بين السطور بصحبة آراء خبراء اقتصاديين، محللين ومراقبين، ومصرفيين سابقين. الدهشة قد لا تبارحنا والحقائق المقارنة تتقافز من الحروف والأرقام، نصوص المعاهدات والمصادر ذات الصلة، لكنها دهشة الأقدار التي تشرع أبواب التقدم إلى الأمام بدروس الماضي وعبر الحاضر والاتعاظ منهما. من ضمن ذلك دهشة المصادفة أو القدر أن تكون بريطانيا، من أوصت بانفصال نقدي للسودان عن مصر، جاءت وضلعت في حرب العملات من مدخل طباعتها لعملة (دولة) جنوب السودان قبل أن تحصل على اعتراف (الأمم المتحدة) باستقلالها بعد، رددت بعض الوسائط؟؟. ولذا نشرع أولى أبوابنا بالتوقف مع ما خلص إليه وكيل الخزانة البريطانية، د. واس، في تقريره الذي صّدره برسالة فاحت من حبر سطورها رائحة الهوى الاستقلالي للسودان عن مصر؟، والذي تكرر، ومن عجب، لفعل إسهام انفصالي للجنوب عن السودان، إن صدقت التسريبات الصحفية.
* الوثيقة بالرقم: fo.371/ 113649 خطاب من د. و. ج. واس/ وكيل وزارة الخزانة البريطانية إلى ف. ملتر/ المندوب المالي إلى الشرق الأوسط في السفارة البريطانية بالقاهرة، مؤرخ في 20/ مايو/ 1955م.. المصدر: الوثائق البريطانية عن السودان المجلد الثالث عشر 1955م.
.............................................................
انفصال السياسة
عزيزي فردي*،،
لقد جدت تطورات جديدة مؤخرا بشأن إنشاء عملة سودانية يهمك الإحاطة بها. كلف وزير المالية السوداني اثنين من خبراء المال الهنود هما المستر ب.ك. نهرو والمستر ب.ج جيجبيهوي، (قد تعرفهم) ل"استعراض" سياسة حكومة السودان المالية والائتمانية، ولتقديم النصح بشأن أي تغييرات يتوجب عملها في الظروف الراهنة أو المستقبلية للسودان. لقد أرسلنا نسخة من تقريرهم الضافي إلى كار مايكل (مستشار وزير المالية السوداني-المترجم) ويوصي التقرير بالآتي:
1- يتحتم على السودان إنشاء عملة خاصة به وأن تدار مبدئيا بواسطة مفوضية تحت إمرة مراقب عمله يخضع بدوره إلى وزير المالية السوداني.
2- يجب عدم تغيير القيمة الاسمية للعملة الجديدة، ويشترط القانون أن لا يزيد غطاء العملات من الذهب والعملات الأجنبية عن 40% من قيمة العملة الجديدة، لكن عمليا يجب أن يكون الغطاء ولعدة سنوات قادمة، بقدر الإمكان أقرب إلى نسبة 100% حتى يتسنى للعملة الجديدة أن تكسب وتحافظ على ثقة الجمهور.
3- يجب على السودان عدم التعامل بأي شكل من الأشكال مستقبلا عبر منطقة الجنيه المصري، ولكن يتوجب عليه اختيار إما أن يصبح عضوا حرا في منطقة الحسابات القابلة للتحويل، أو أن يكون عضوا كاملا في منطقة الإسترليني، والخيار الثاني هو الأفضل.
4- بعد استقرار العملة الجديدة، يجب الشروع في إنشاء بنك مركزي على أسس متينة.
5- سوى الاحتفاظ بسلطة مراقبة الائتمان، لا يجب أن يسن السودان أية قوانين لتنظيم الجهاز المصرفي التجاري إلى أن يكتشف البنك المركزي السوداني، من خلال تجاربه الحاجة والمتطلبات المتعلقة للدولة.
6- يجب اتخاذ خطوات جادة لتحسين فعالية مراقبة النقد الأجنبي.
7- منذ تقديم التقرير التزمت حكومة السودان علنا بتصريح في البرلمان تتضمن الآتي:
أ- الموافقة من حيث المبدأ على إنشاء عملة منفصلة مع تأجيل الشروع فيه إلى ما بعد تقرير المصير.
ب- البدء في التفاوض مع مصر بشأن الشروط المطلوبة لإعادة العملة الورقية والمعدنية المصرية إلى مصر.
ج- التسريع في الترتيبات الضرورية لإصدار عملة منفصلة.
بالنسبة ل(ب) أعلاه يوضح تقرير نهرو وجيجبيهوي أن النقد المصري المتداول في السودان بما فيه النقد المحتفظ به في خزانة البنك الأهلي المصري يبلغ 18 مليون جنيه. ويوصي التقرير عند إعادة هذا المبلغ إلى مصر أن يتحصل السودان في المقابل على نصيب تناسبي من الغطاء للنقد الصادر من البنك الأهلي المصري، كما كان الحال بالنسبة لسابقة الهند والباكستان. على هذا الأساس سيتحصل السودان على 5,8 ملايين جنيه من الذهب، و6،9 ملايين جنيه من سندات العملات الأجنبية، و5،3 ملايين من سندات العملية المصرية. ومن ضمن ال6،9 ملايين جنيه من سندات العملات الأجنبية ستكون هناك مبالغ كبيرة من الإسترليني المجمد.
سيقوم وزير المالية السوداني بمراسلة وزير الخزانة المصري رأسا للتشاور في أمر إعادة العملة المصرية.كما في نيته أيضا أن يراسلنا نحن (وقد أوضحنا له أن من الأنسب أن يخاطبنا وزير خزانتنا رأسا) بشأن المليون جنيه إسترليني من العملة المعدنية المتداولة في السودان. وقد أبدينا موافقتنا بالفعل، كتابة، إلى وكالة حكومة السودان في لندن لإرجاع العملة بقيمتها الاسمية، وسنكتب لوزير المالية السوداني مؤكدين ذلك رسميا.
مع تحياتي
د.و.ج. واس
"هل يجب أن يكون للسودان عملة منفصلة أم لا"؟، سؤال ركيزة طرحته الوثيقة، وقد أجابت على ذلك بأن "الموقف الراهن" يظهر أن "العملة الورقية المصرية هي العملة القانونية في السودان"، وأن "العملة المعدنية المتداولة في السودان 80% منها مصرية و20% بريطانية". "يحتفظ البنك الأهلي المصري في القاهرة بغطاء العملة الورقية، كما يتحكم البنك الأهلي المصري في الخرطوم في حجم تداول تلك العملة الورقية زيادة أو تخفيضا". "هناك قيود على حركة العملة عبر الحدود السودانية – المصرية (ولو أن التهريب يمارس) وليس هناك قيود داخل السودان (ولو كان هناك قيود على التحويلات من مصر)". كما يتم "تحويل القروض والسلف التي تقدمها البنوك التجارية في السودان بالسحب على الكشوف من مكاتبهم في القاهرة". "إن التوصية بإنشاء عملة منفصلة أو عدم إنشائها تعتمد لحد كبير على العلاقة، مهما كانت درجتها، التي سيقررها السودان بعد تقرير مصيره مع مصر. إذا تمخضت العلاقة عن وحدة اقتصادية للبلدين فإن إنشاء عملة منفصلة لن تكون ضرورية بل غير مرغوب فيها. ولكننا ندرك، على كل حال، مهما كانت العلاقة بين السودان ومصر في النهاية فإنها لن تتطور إلى وحدة اقتصادية بينهما". (انتهى) فهل كانت العلاقة بين السودان وجنوب السودان في نهاية المطاف في غير سبيلها إلى التطور إلى وحدة اقتصادية بينهما قياساً على علاقة السودان بمصر حتى 1952م؟. سؤال طرح على رئيس القسم الاقتصادي ب(الأخبار) الأستاذة نازك شمام، التي اعتقدت بأن "المبرر السياسي"، طغى، ومفاده "قناعة الجنوب أن الشمال ينهب ثرواته وبإنشاء عملة مستقلة أرادوا إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية وفقا لما يريدون وليس كما كان يحدث في الماضي". استعجال الدولة المنفصلة، إنشاء عملة ورفع العلم، هي مظاهر لفك الارتباط من الشمال، ولذلك لا مجال للوحدة النقدية لأنهم يريدون الاستقلال الكامل، أما الوحدة النقدية المؤقتة وتقدم بها المؤتمر الوطني كمقترح فترة انتقالية ولكن الجنوب رفض" تضيف نازك. من أفق آخر يطل رأي وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي د. عبد الرحيم حمدي، ومنطه أن "الجنوبيين والشماليين رفضوا الدخول في اتحاد اقتصادي يفضي إلى ترتيبات وحدة نقدية ووحدة جمركية وتجارة حرة بين البلدين"، إذ "لم يتم التناقش بجدية في هذا". ويقول د. حمدي، الذي تغير مسمى العملة السودانية في عهده لأول مرة منذ خمسين عاماً، أن "الجنوبيين كانوا زاهدين في أي وحدة، والشماليين بدوا غير متحمسين، واتفاقية السلام نفسها كانت في خيار من اثنين لا وسط بينهما، إما وحدة أو انفصال، ولم يكن من خيار لاتحاد كونفيدرالي أو ترتيبات مرنة لا تعرف التشاكس السياسي الذي ساد بين الطرفين". أما أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم د. محمد الجاك، فيجيب على تساؤلنا القريب من ذلك، (ما إذا كان إصدار الجنوب لعملته المستقلة قد أعاق الوحدة النقدية مع الشمال)؟، بأن الوحدة النقدية "تحتاج إلى آفاق ولا وجود لمعوق أمام وحدة اقتصادية إذا اتجهت الإرادة السياسية إلى ذلك"، "ولكن ردود الأفعال تعوق مصلحة الدولة والاقتصاد الناشئ في الجنوب، ولا منطق اقتصادي هنا". د. الجاك يقول أيضا أن الجنوب، حسب الاتفاقية، "أنشئ له بنك مركزي وهو اتجاه مبكر للانفصال النقدي، إذ يمنح سلطات نقدية، وحتى في وجود نظامين مصرفيين كان لا يتطلب ذلك وجود بنك مركزي منفصل في جوبا، فكان هذا مؤشرا على استقلال الجنوب". جدير بالذكر أن الخرطوم التي كانت اتفقت مع جوبا على بقاء الجنيه السوداني على حاله دون تغيير لمدة ستة أشهر تلي التاسع من يوليو 2011م تاريخ إعلان تأسيس الدولة الوليدة، قد فاجأها ما أقدمت عليه حكومة الجنوب بطباعة عملة خاصة بها، دون أي التزام بما اتفقت عليه مع نظيرتها في الخرطوم، مما اضطرها للإعلان عن عملة جديدة. وأتفق المراقبون على أن خطوة الجنوبيين الشروع مبكرا في إصدار عملة جديدة فيها (غدر) بحكومة الخرطوم التي لم تضع حسابا لهذه الخطوة التي ستؤثر سلبا وبشكل مباشر على العملة السودانية واقتصاد البلاد. بالمقابل رجحوا سلمية خطوة استعجال الخرطوم في تغيير العملة لتجنب كثير من المشكلات والتعقيدات التي يمثلها وجود عملات بكميات كبيرة خارج نطاق الدولة والسيطرة. وأشاروا إلى أن الجنيه السوداني الحالي يحتوي على رموز تمثل الجنوب وثقافاته، الأمر الذي يتطلب إزالتها بعد الانفصال. كان الرئيس عمر البشير أعلن في خطاب أمام جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان بمناسبة إعلان دولة الجنوب أن حكومته بصدد تغيير العملة السودانية خلال فترة قصيرة. لكن، ما هي الجدوى الاقتصادية لإنشاء عملة جديدة عوضاً عن سريان وحدة نقدية مؤقتة بستة أشهر؟، وبعبارة ثانية، هل الإنشاء المفاجئ لعملة الجنوب الجديدة كانت له خسائر اقتصادية بدلاً عن مكاسب الإبقاء المؤقت على العمل بالجنيه السوداني؟؟. نعود إلى الوثيقة في جزءها الثاني، التقرير، ثم وإفادات المصادر المستطلعة آراؤهم، فماذا وجدنا؟.
* تقع الوثيقة في نحوا من 40 بندا جاءت في 77 صفحة اخترنا منها ابتداء 25 بندا ذوات صلة بالموضوع الحال منها البنوك (النظام المصرفي)، الرقابة على النقد الأجنبي وترتيبات إنشاء بنك مركزي للسودان وإسناد سلطات النقد المؤقتة إلى البنك الأهلي المصري رغم أن التوصية كانت لبنك باركليز الانجليزي، واختزلنا الحديث في 14 بندا ضمن موضوع واحد منها فقط هو، العملة.
.....................................
رفض الجنوب ورهانه
في الخمسينات -وفقا للوثيقة- ثمة فوائد مرتجاة من إنشاء عملة منفصلة للسودان. وفي المثال الماثل، نعم ثمة فوائد لجنوب السودان وكذلك سوالب. الوثيقة توقعت أن "يطمح السودان بالاحتفاظ بالحرية الكاملة في ما يتعلق بسياسته الاقتصادية" ولأجل ذلك، "لا بد له، بالضرورة، أن يحتفظ أو يتحصل على سيطرة كاملة على عملته ومصارفه وسياسته الائتمانية والتبادلية، الشئ الذي سيمكنه من تطبيق سياسته الاقتصادية بمعزل عن مصر". التقرير ينتقل هنا إلى أنه "إذا صح ذلك فرأينا النهائي هو أن يكون للسودان عملته المنفصلة والمستقلة". الوثيقة تمضي إلى أن العملة ليست "رمزا فارغا لحرية واستقلال أي دولة"، ف"السيطرة عليها تساعد في الدفاع الاقتصادي بمثلما تساعد السيطرة على القوات المسلحة في الدفاع الطبيعي للدولة". هكذا إذن، وهناك عدة منافع أخر، منها "اقتناء عملة منفصلة سيمكن السودان من أن يحدد بمفرده القيمة التبادلية الأنسب لاقتصاده". "هذا الحق الأساسي لأي دولة في أن تختار القيمة التبادلية لعملتها هو من جوهر الاستقلال الاقتصادي". دون التمتع بعملة منفصلة "لن يتمكن السودان من أن يكون عضوا مستقلا في صندوق النقد الدولي، الذي تلزم العضوية فيه انضمام الدولة لعضوية البنك الدولي للتعمير والتنمية، وهو أمر مرغوب فيه جدا لأي دولة نامية لها برنامج تنموي، للحصول على مساعدات فنية وكذلك للحصول على تمويل مشاريعها التنموية". وتمضي لتوضح "من الصحيح أن بإمكان السودان الاستفادة من البنك الدولي بترتيبات خاصة عبر مصر ولكن في تلك الحالة ستضطر مصر لضمان كل القروض التي يقدمها البنك الدولي للسودان ومثل تلك الضمانات في رأينا لن تكون مقبولة من حكومة السودان". بفضل العملة المستقلة "فإن تولي حكومة السودان إصدار العملة الورقية (إما بواسطتها رأسا أو عن طريق البنك المركزي) وفرض رقابة كاملة على النقد الأجنبي تجاه مصر، الشيء الذي سيتبع لا محالة، أن السودان سيصبح في موقف أفضل مما كان عليه لضبط النقد المتداول الأجنبي والمحلي". وعند فصل العملة "سيكون السودان مستحقا لنصيب من غطاء العملة الصادرة والمتحفظ به في مصلحة الإصدار التابعة للبنك الأهلي المصري في القاهرة، وسيرفع ذلك من أرصدة السودان من الذهب والعملات الأجنبية". حيثية إضافية توردها الوثيقة في قولها "يقترح البعض أحيانا أن الأرصدة المجمدة لن تفيد السودان كثيرا حيث ستظل تلك الأرصدة مجمدة كغطاء دائم للعملة الورقية الصادرة". هذه الحجة "غير مقنعة ولو أنها تنطبق على أي غطاء لأي عملة". "إن غطاء النقد الأجنبي (بل جميع أرصدة أي دولة من الذهب أو النقد الأجنبي) بالطبع لا تستغل في الظروف العادية، لكنها تمثل احتياطا للطوارئ وتمكن الدولة من استغلال باقي مدخراتها من النقد الأجنبي كاملا". فهل كان لجنوب السودان أن يستحق عند سحب العملة السودانية من أراضيه وفق الاتفاقية أو في معنى التراضي نصيباً مماثلاً من الأصول الموجودة وهي قانونياً الغطاء الاحتياطي للعملة الصادرة؟، وهل كان السودان مؤهلاً ليضمن الجنوب في الحصول على قروض للبنية والتعمير من البنك الدولي للإنشاء والتعمير بضمان أصول السودان الخارجية؟، أم أن عملة الجنوب المنفصلة- كما أشارت الوثيقة- هي جوهر الاستقلال الاقتصادي فيما السيطرة عليها تساعد في الدفاع الاقتصادي بمثل دور الجيش في حماية الحدود الطبيعية للدولة؟. نعود لنازك شمام، التي أفادت بأن "الجنوب في مفاوضات أديس أبابا الاقتصادية طالب بالتعويض عن سحب الكتلة النقدية المتداولة بالجنوب إما بسلع أو بالعملة الصعبة لكن الحكومة السودانية رفضت الخيارين وبررت ذلك بأن العملة الصعبة ستؤدي إلى رفع سعر الصرف وبالنسبة للسلع ستؤدي إلى رفع معدل التضخم". فيما د. الجاك يضيف إلى ذلك أن "تبادل الدين بالسلع لا يمنح الشمال ميزة تبادل الدين بالبترول الجنوبي، إذ كان يمكن ذلك إلا أن عدم القبول به كان نظرة اقتصادية سليمة من الجنوب إلا أن مساحته المحدودة وإنتاج البترول يفوق استهلاكه بمراحل فكان أكثر قيمة، تبادل دين العملة المتداولة أو استرداده بزيادة المشتريات من الشمال". لكن مصرفي سابق وخبير اقتصادي فضل حجب اسمه قال أن "مباحثات اللجان المشتركة بين الطرفين في أديس أبابا حضرها خبراء دوليين قالوا للطرفين إن كوسوفو وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وحتى إرتريا وإثيوبيا عندما حدث الانفصال في كل هذه التجارب لم تسجل سابقة تقول بأن يعوض الطرف المستقل حديثاً بالعملة الصعبة". ويضيف الخبير بأن "العملة لا تعدو أن تكون سوى مظهر من مظاهر السيادة مثل العلم والنشيد الوطني والسفارات الخارجية". "في الحقيقة فإن الجنوبيين كان مسموحاً لهم التعامل بحرية في الجوانب الاقتصادية طيلة السنوات الانتقالية الست السابقة وليس ذلك فقط بل كان بنص الاتفاقية في الفصل الرابع والفصل الرابع عشر من بروتوكول قسمة الثروة، لهم الحق في فتح حسابات جارية في لندن ونيروبي ونيويورك والقاهرة والسحب منها وكذلك حق الاقتراض الخارجي" يضيف لنا الخبير ويستزيد بأن هذه المعلومات "تصنف دائماً بالسرية، ولا يمكن معرفة حجم هذه الأرصدة والعمليات المصرفية التي حدثت، السحوبات وغيرها". "في نفس الوقت وبنص هذه الفقرات من الاتفاقية كان محظوراً على حكومة السودان، وزارة المالية والبنك المركزي، إقراض حكومة الجنوب، ولعل هذه من بين دوافع الانفصال عن السودان" يقول ويخلص في إفادته هنا إلى أن "العوامل السياسية طغت على الحسابات الاقتصادية العقلانية في قضية العملة، بل وصار الموضوع ردود أفعال بين الطرفين ولكن وللتاريخ تقدم الشمال بعرض لوحدة نقدية بين البلدين ضمن فترة الستة أشهر الانتقالية للقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية بنص الاتفاقية نفسها ولكن الجنوب رفض ذلك". وعن (التمويل، ومدى تأهيل السودان في الحصول على قروض للدولة الوليدة)؟، تقول نازك، إن "السودان لم يكن مؤهلاً بسبب استمرار فرض الحصار الاقتصادي من المؤسسات الدولية كما أن مساعدات البنك وصندوق النقد الدوليين، مساعدات فنية فقط وليست تمويلية، وذلك نسبة لحاجز ديون السودان الخارجية، لكن جنوب السودان بمجرد إصدار عملته المستقلة جاز له أن يأخذ قروض تمويلية خصوصاً وأن نائبة مدير صندوق النقد الدولي، زارت جوبا قبل أسابيع وأبدت استعداداها دعم الصندوق للجنوب". الصحفي السوداني الجنوبي مدير تحرير صحيفة (المصير) التي تصدر بالعربية من جوبا، أبراهام مليك، يرى بأن "قضية تبديل العملة في جنوب السودان ارتبطت بالصراع السياسي بين البلدين قبل الانفصال وهي محاولة سريعة لإثبات السيادة من الدولة الجديدة والتخلص من كل شئ له علاقة بالشمال". "الاتفاق الذي أبرم بين الطرفين بتداول الجنيه السوداني ل6 أشهر تم التخلي عنه وسارعت حكومة الشمال في إصدار عملتها وعدم قبول النقود المستبدلة في الجنوب حيث خسر البنك المركزي في الجنوب أكثر من 2 مليار في نهاية عملية الاستبدال" يقول محدثنا. السودان مؤهل اقتصادياً لإعفاء ديونه الخارجية ومن ثم الاقتراض وهذا بشهادة المؤسسات الدولية لكن العائق هنا هو القرار السياسي الذي يستهدف حرمان السودان من الحق في الاقتراض من المؤسسات النقدية الدولية، وكانت هذه قناعة د. محمد الجاك، الذي يرى في حديثه أن "اختيار الجنوب إصدار عملة منفصلة بدأ من الصفر وسيستغرق فترة طويلة لتكوين احتياطي من الذهب والعملات بتكلفة عالية، كانت ستوفر من ضمانات الاقتراض التي يوفرها السودان، ولكن كان الرهان السياسي الجنوبي على أمريكا وأوربا لبناء أرصدتهم الخاصة، وليس هنالك ضمانات لذلك، فاعتماد الجنوب على العملات الصعبة المتحصلة للمستقبل يرتبط بالبترول واقتصادياته، مع عدم الاتفاق مع الشمال يصبح الرهان الجنوبي نحو المجهول". أما وزير المالية السابق د. عبد الرحيم حمدي فيقول في حديثه أن "السودان غير مؤهل للحصول على قروض نسبة للعقوبات الأمريكية التي تمنعه من الوصول إلى التمويل من المؤسسات الدولية فأمريكا وحدها تملك 18% في سلطة قيادة البنك وبمجهود بسيط تستطيع إحكام الحظر على السودان ومنعه من ثم الحصول على القروض". إذن كم كان كم النقد الأجنبي المتداول في السودان عند إنشاءه لعملة مستقلة؟، وكم كان حجم النقد السوداني المتداول في الجنوب عند إنشاء الأخير لعملته المنفصلة؟؟، وهل التمويل بالعجز سيكون متاحاً بدون عملة مستقلة؟، وكم استغرقت عمليات سحب العملة في المثال الأول وفي النموذج الأخير؟؟، وما هي الترتيبات التي اتخذت في الحالتين؟.
.................................
عملتان وصفو العلاقة
فيما سبق تبين أن تمويل القروض بضمان الأصول السودانية في الخارج- مقار السفارات بالعواصم الدولية الكبرى على سبيل المثال- رهن للقرار السياسي للولايات المتحدة والغرب، في الوقت الذي كان فيه جنوب السودان قد مارس فعلاً حرية واسعة في الاقتراض من الخارج وإبرام التعاملات المالية مع العالم الخارجي. الوثيقة تمضي لتشير في بند تالٍ إلى نوع آخر من التمويل هو "التمويل بالعجز للحكومة" والذي يتوجب توضيح أنه لن يكون "متاحا بدون عملة مستقلة". لماذا؟، "لأن هذا يعني أنه ليس هناك ما يشير الآن إلى أن السودان في حاجه للتمويل بالعجز". تقول الوثيقة وتضيف "ومع ذلك وفي الحقيقة فإن كل الدول النامية التي لديها خطط إنمائية تضطر لتمويلها عن طريق ميزانيات غير متوازنة مما يعني في الواقع التمويل عن طريق العجز". وفي حالة "اتخاذ السودان قرارا بامتلاك عملته الخاصة ومن ناحية مالية صرفة وهو ما يعنينا تحديدا فليست هناك أي مصلحة في التأخير ويستحسن بقدر المستطاع تزامن التوقيت مع تاريخ اتخاذ القرار حتى يتسنى عمل الترتيبات العملية والمالية والتنظيمية وتجهيز الكادر لتدشين العملة الجديدة". هذه الترتيبات العملية "في غاية البساطة" وتتلخص في "طباعة النقد الورقي وسك العملة المعدنية ووسائل توزيعها". فئات تلك الأيام تبينها الوثيقة حين تذكر أنه "تم نقش الأكليشيهات لطباعة العملة من فئة الخمسة جنيهات والجنيه ونصف الجنيه وربع الجنيه، وعلمنا أن هناك مخزون من الورق المموه بالألوان المائية في لندن"، "الطباعة والشحن لن يستغرق أكثر من شهر من تاريخ التعاقد، أما عملية التحول رسمية جنبا لجنب مع العملة المصرية". "ستقوم المصارف والخزائن بالصرف بالعملة الجديدة فقط وتسحب من التداول كل ما تحصل من العملة القديمة"، "وعندما يشعر المسئولون بعد مضي بعض الوقت بأن التداول بالعملة الجديدة أصبح كبيرا، يجب أن يعلن أن العملة المصرية قد انتهت صلاحياتها كعملة رسمية ولكن يجب إعطاء فرصة كافية لحامليها في المناطق النائية ليتمكنوا من تغييرها للعملة الجديدة"، "من الضروري إرجاء تغيير العملة لحين تجهيز العملة المعدنية". "بمجرد اتخاذ القرار من حيث المبدأ بفصل العملة يجب الشروع في التفاوض مع بعض المصانع المختارة لسك العملة". كما أن "توزيع العملة المعدنية تنتظر إتمام التفاوض والموافقة على تصميم وتنفيذ الطلبية والشحن، سيستغرق ذلك عدة أشهر ولا ضرر في الاستمرار في تداول العملة المعدنية القديمة لحين تجهيز العملة المعدنية الجديدة". إن "الترتيبات المالية المطلوبة للبدء في التعامل بالعملة الورقية الجديدة سيخلق بعض الصعوبات ويتطلب التفاوض مع حكومة مصر وحكومة بريطانيا، أما بالنسبة للعملة المعدنية فإن الأمر سهل فالعملة المسحوبة ستسلم إلى مصر وبريطانيا، وستضاف قيمتها الاسمية لحساب السودان في مصر بالعملة المصرية وفي بريطانيا بالإسترليني، وحسب علمنا فإن العملة المعدنية المصرية المتداولة في السودان هي في حدود أربعة إلى خمسة ملايين جنيه مصري والعملة المعدنية البريطانية المتداولة في السودان هي في حدود مليون واحد إسترليني". من الواضح أن هذه كانت خارطة طريق مباشرة دون لبس إلى بناء العملة السودانية المستقلة، لكن المفاجأة جاءت من حكومة الجنوب حين استبقت أو تزامنت مع (يقول البعض)، حكومة السودان بطباعتها لعملة مستقلة. لكن الأخيرة فاجأت الجميع بطبعة (منقحة) من العملة السائدة، حملت ألوان ورموز وأشكال استبعدت جنوب السودان وثقافاته بعد اختيارهم الانفصال. ذيلت العملة بتوقيع محافظ البنك المركزي الجديد د. محمد خير الزبير، الذي كشف في مؤتمر صحفي شهير بمناسبة إعلان الإجراءات والتدابير الجديدة "تحسبهم منذ وقت مبكر لما حدث، بإعداد طبعة ثانية جديدة من العملة ب (ألوان مختلفة) لتفادي المخاطر التي سوف تترتب على استخدام عملة جنوب السودان المتداولة في الجنوب لغير صالح الاقتصاد السوداني". وأوضح المحافظ أن "البنك المركزي سيقوم بطرح الطبعة الثانية من الجنيه وإحلال الطبعة الأولى تدريجياً من خلال الجهاز المصرفي ونقاط الاستبدال بالمناطق النائية في كافة أنحاء السودان خلال فترة زمنية مناسبة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر (تم تقليصها إلى 45 يوماً) تمكن المواطنين من استبدال نقودهم بسهولة ويسر، خاصة وأن المركزي له تجربة ممتازة في استبدال الدينار بالجنيه". وكشف عن أن عملية "إحلال الطبعة الثانية من الفئات الخمسين، العشرين، والعشرة جنيه ستبدأ فوراً بعد أن اكتملت طباعتها وكافة الترتيبات القانونية والإجرائية والعملية لتداولها إلى جانب خطط التوزيع والطرح والاستبدال". مشيراً إلى أن "الدولة احتاطت بطباعة عملة ثانية لمواجهة أي تداعيات لعدم التوصل إلى اتفاق حول تسليم كميات الجنيه المتداول في الجنوب بعد استبداله بعملة دولة جنوب السودان، وهي تقدر ب(3 مليار جنيه)". مقراً ب"أحقية الدولتين في إصدار عملتهما، إلا أنه لم يتم الاتفاق حول نقطة جوهرية تتعلق بالاتفاق حول تسليم كميات العملة السودانية لبنك السودان المركزي بعد استبدالها بعملة حكومة جنوب السودان". رئيس القسم الاقتصادي ب(الأخبار) عندما عدنا لها قالت بأنه ليس لل"2 مليار جنيه سوداني المتداولة في الجنوب أي قيمة اسمية أو نقدية لها في الشمال بمجرد صدور الطبعة الجديدة من عملة دولة السودان، لأن طبعة الجنيه السابقة صارت غير مبرئة للذمة". وتشير إلى وجود "نوع من الغموض في إجراءات البنك المركزي بالذات كون العملة ظهرت فجأة، وهذا يفتح سؤال حول تمويل الطبعة الجديدة بتكلفة 40 مليون يورو كما تردد، وهذا من غير المعروف، إن كان تسديد التكلفة كان نقداً أم بالدين؟". حسناً هذين سؤالين إضافيين ربما يصطدما بحاجز سرية المعلومات. لكن قريباً من تصريحات محافظ البنك المركزي المشار إليها أعلاه جاءت جملة الخبير الاقتصادي الذي فضل عدم ذكر اسمه التي يقول فيها بأن "مبدأ الصلح خير ينطبق على قضية العملة بين الشمال والجنوب الذي نكص التزامه، لأن الاتفاق بين اللجان المشتركة، وهناك محاضر للاجتماعات وثقت للاتفاق، أن تمضي العملتان، الجديدة في الجنوب والجنيه السوداني، بالتوازي مع بعضهما في كل أنحاء السودان لفترة 6 أشهر قابلة للتمديد ل3 أشهر أخرى تنتهي في مجملها في 9 ديسمبر 2012م، وذلك كله ضمن الستة أشهر الانتقالية في حال اختيار الانفصال". وأن "تجمع الكتلة النقدية للجنيه السوداني المتداولة في الجنوب تدريجياً وتجمع في البنك المركزي بالخرطوم، لكن رفض ممثلي الجنوب وطالبوا بعوض إما على شكل بضائع أو عملة صعبة، وهذا لاعتقادهم أنه من حقهم التعويض عن الكتلة المتداولة، وهو ما رفضه الشمال الذي وضح أنه كان مستعداً لأي سوء نية من الطرف الآخر بدليل أن العملة الجديدة، وهي إعادة طباعة للجنيه السوداني ذاته بألوان ورموز مختلفة، كانت جاهزة منذ يونيو 2011م، أي قبل شهر من الانفصال وبتوقيع محافظ البنك المركزي الذي تم تعيينه في منصبه في تلك الفترة تقريباً". بتغيير العملة في البلدين يرى د. عبد الرحيم حمدي أنه "لا تأثير لذلك على السياسات أو احتياطيات النقد الأجنبي في الشمال، فالتخوف كان من المضاربات في سعر صرف العملة الشمالية داخل الجنوب ولكن الكتلة النقدية المتداولة كما قيل هي في حدود 2 مليار جنيه وهو رقم ضئيل". وفي تقديره أن "هذا لا يؤثر في احتياطيات الطوارئ من الذهب والعملة الحرة بالنسبة للجنوب". ويزيد على حديث د. عبد الرحيم حمدي، ما قال به د. محمد الجاك في إشارته إلى أنه "بخصوص الفئات المعدنية للعملة في المثال الأول، استبدال العملات الأجنبية بجنيه السودان المستقل حديثاً، لم تؤثر على القيمة الاسمية للعملة لطبيعتها هي من حيث التعريف كفئات معدنية وليست ورقية". وبالطبع هذا ينطبق على المثال الراهن، انفصال جنوب السودان، مع العلم بأن الأمر برمته انتهى برفض الجنوب استبدال العملة ورقية كانت أم معدنية من المتداولة بجنوب السودان. د. الجاك يقول أيضاً أنه -وبحسب معلوماته هو- "لا يملك الجنوب أي احتياطي اقتصادي من الذهب أو العملة الصعبة"، "الجنوب لا يستطيع الادعاء بغير ذلك" يضيف. ولكن في حياة الناس العاديين يظل تأثير عدم التوافق بين الجانبين موجودا والقصة مختلفة كما في مثال الجنوبيين القادمين إلى الشمال لأي غرض كان، سياحة أو إجازة أو عمل أو دراسة أو غيرها. فأبراهام مليك يضيف لنا عن واقعة حكاية (تراجيديا) خاصة به يقول فيها "لأول مرة بعد قيام دولة الجنوب واجهت مشكلة تبديل العملة في مطار الخرطوم، كنت أتمنى وجود جنيه الجنوب الجديد في صرافات مطار الخرطوم وجنيه الشمال في مطار جوبا بحيث يسهل للمسافرين من الجانبين عملية تبديل العملتين، ولكن لم أجد، ولذلك أنا دخلت الخرطوم من غير (قروش) وانتظرت تبديل العملة عبر البنك بالدولار وصرفها هنا بالجنيه السوداني لأن جنيه الجنوب غير متوفر إلا في السوق الأسود، وهذا أدى إلى ارتفاع السعر والتكلفة وهذا كله يؤثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين وعلاقات الناس". الأستاذ مليك يخلص من ذلك إلى أن "حرب الأوراق النقدية بدأت بقوة وقد لا تنتهي سريعاً وستصعب الحركة التجارية بين البلدين رغم توقيع مذكرة للتبادل التجاري مؤخراً، مما يجعل الناس يتجهون رغماً عنهم لتداول النقد الأجنبي (الدولار) وهذا قد يكلف الكثير في ظروف اقتصادية سيئة للمواطنين وبما يعكر صفو العلاقة بين البلدين". من كان يفكر في صفو العلاقة أو ظروف الناس العاديين مع استعار لهيب حرب العملات، وإذن كيف هي أوضاع الدين الحكومي وميزان المدفوعات بين الطرفين بعد الانفصال؟، وما هو تأثير العملة على وضع التعاملات المالية بين البلدين؟، وكيف جاءت عمليات إنشاء العملة السودانية وتبديلها عبر السنين وتأسيس البنك المركزي السوداني وسواها من حكايات وأسئلة؟ وهناك سؤال (المليون دولار) في كل هذه القضية، وهو، هل كان يعني كل ذلك أن الطرفين خسرا في النهاية ولم يربح منهم أحد؟.
.....................................................
العملة وتقلب الأهواء
تواصل الوثيقة التاريخية توصياتها موصية ب"فيما يختص بالعملة الورقية فالتفاوض الأساسي يجب أن يكون مع مصر كما يجب أن يشرع فيه ويتم طرحه قبل طرح العملة الجديدة. نظريا وحسب السوابق يستحق السودان عند سحب العملة المصرية من أراضيه نصيباً مماثلاً من الأصول الموجودة في مصلحة الإصدار التابعة للبنك الأهلي المصري في القاهرة حسب حجمها في تاريخ يتفق عليه. تلك الأصول قانونيا هي الغطاء للعملة الصادرة. وإذا ما انخفضت الالتزامات بسحب نسبة من العملة الورقية، فمن المنطق أن تخفض الأصول أيضا بنفس النسبة وتسليمها للسلطة الجديدة التي ستأخذ على عاتقها الالتزامات للغطاء. أقرب سابقة يمكن الاقتداء بها هي فصل العملة الباكستانية عن العملة الهندية للبنك المركزي الهندي، نصيب من الأصول المحفوظة كغطاء للعملة التي أصدرتها مصلحة الإصدار التابعة للبنك المركزي الهندي، إن كانت تلك الأصول ذهباً أو سندات حكومات أجنبية أو مستندات خزانة هندية بالروبية الهندية". وتضيف إلى ذلك أنه "إذا افترضنا أن النقد الورقي المصرفي المسحوب في السودان يبلغ 18 مليون إسترليني –آخذ في الاعتبار أيضا العملة الورقية في خزانة البنك الأهلي المصري في السودان –فيجب أن يتحصل السودان من مصر 5,8 ملايين جنيه إسترليني ذهباً و 6,9 ملايين جنيه إسترليني قيمة سندات حكومات أجنبية و5,3 ملايين جنيه قيمة سندات خزانة مصرية. السندات المصرية المستلمة بالإضافة للرصيد الصافي لمصلحة السودان في مصر البالغ 2 مليون جنيه إسترليني بالعملة المصرية (كما توضح الأرقام اليوم) وأيضا مبلغ 4 ملايين جنيه إسترليني من العملة المعدنية سيكون مجموعها 11,3مليون جنيه مصري. قد يجد السودان صعوبة في استرداد هذا المبلغ من العملة المصرية. السودان مدان لحكومة مصر بمبلغ 5 ملايين جنيه إسترليني بدون فوائد ولذلك ليس من مصلحة السودان سداده وقد يترتب على سداده أضرار.كما أن ميزان المدفوعات بين السودان ومصر هو في مصلحة السودان كما يعتقد، ولذلك لن يساعد ذلك في تحقيق استحقاقات السودان ومصر، ولكن قد يساعد في تغطية أي عجز قد يطرأ من وقت لأخر". "الدين الحكومي والسندات الحكومية لأغراض الاقتراض لتمويل المشروعات الأساسية خضع لمناقشة بين الطرفين السودان وجنوب السودان" وفقا لإفادة أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم د. محمد الجاك، ولكن "أثار الجنوب مبررات حول المديونية وفي نفس الوقت دولة السودان في الشمال تحدثت عن ما سمته المساهمة في المدفوعات واستندت إلى ضرورة تحمل السلطات في الجنوب دورها في الدين الخارجي". ويعتقد الخبير الاقتصادي أن المؤسسات المالية الدولية "ربما تتدخل بالنسبة للدين الخارجي من خلال مؤسسات مالية ولكن هذا يتم على أساس سودان واحد، وطبعاً هذا يعتبر مرفوضا بعد الانفصال، ومع ذلك يجوز لأي طرف أن ينذر الآخر ويجوز التقاضي بشأن الدين الخارجي والداخلي وكذلك يمكن استرداده". خبير المصارف الذي تحدثنا إليه سابقا يقول هنا أن "بداخل الدولة الواحدة لا وجود لدين حكومي لكن هناك استحقاق لمواطني البلدين في البلد الآخر، على سبيل المثال حقوق ومصالح التجار الشماليين في الجنوب. وهو ما عكفت تبحثه اللجان المشتركة في الخرطوم وجوبا وأخيرا أديس أبابا". وعلى ذلك ومنه أن "التبادل التجاري قبل الانفصال يستحيل تقديره بالأرقام لأننا كنا بلدا واحدة، مثل التجارة بين الخرطوم وكوستي أو مدني أو بورتسودان، ولكن بعد الانفصال تنبهت الجمارك، الشرطة، ووزارة التجارة الخارجية وغيرها من المؤسسات، لعمل نماذج وبيانات تضبط حركة التبادل التجاري وعندها يمكن تقدير التبادل بالأرقام وهذا فيما عدا السلع الأساسية كسلعة السكر إذ أنه يمكن تقدير حجم الاستهلاك في الجنوب وبالتالي تقييم قيمة التبادل التجاري في هذه الوجهة". لكن رئيس القسم الاقتصادي ب(الأخبار) نازك شمام، تقول بأن "الدين الداخلي على حكومة الجنوب هو لصالح شركات ومؤسسات محلية من القطاع الخاص أو الحكومة مثل شركة (آيات) التي تنشئ طرق في الجنوب ولذلك يمكن استرداد المديونية في هذه الحالة". وعلى العكس من ذلك يعتقد د. عبد الرحيم حمدي أنه "لا علاقة للدين الحكومي أو ميزان المدفوعات بتغيير العملة، فالعملة هي أداة للتداول داخلياً أو في كل من الإقليمين وحين التداول بينهما فهذا يكون كشكل للمعاملات الدولية باستخدام عملة وسيط كالدولار مثلاً"، "العملة هنا لا قيمة لها والعلاقة تنحصر فقط في تأثر كل عملة (جنيه السودان وجنيه السودان الجنوبي) بسعر صرف الدولار". هذا يقودنا إلى طبيعة وشكل المعاملات المالية القادمة وتحول المهام والسلطات من البنك المركزي إلى بنك جنوب السودان، وفي ذلك تقول نازك، أن المهام والسلطات "تغيرت بعد التاسع من يوليو إذ تم فصل كل المعاملات بموجب منشور صادر من بنك السودان"، وتضيف "من ناحية عرفية الإجراء صحيح علماً بأنه لم يكن هناك اتفاق يحكم هذه العلاقات، وبالتالي أصبحت العلاقة مع بنك جنوب السودان المركزي كالعلاقة مع أي بنك أجنبي". العملة السودانية تبدلت وتغيرت على مر السنين حتى لم يتبق شبر في جسدها دون أثر لتغيير في الأشكال والرموز أو حتى المسمى. أثر ذلك مدّمر بلا شك في القيمة الاقتصادية للعملة والمعنوية أيضاً. تغيير العملة السودانية توزع إلى أربعة فترات بدأت منذ الاستقلال وحتى التغيير الأخير قبل أيام. بعض هذه العملات لم يستمر سوى أسابيع كحال أولى العملات وبعضها تغير بعد مضي سنوات طويلة كجنيه السبعينات ودينار التسعينات. بنك السودان المركزي قسم هذه الفترة الطويلة إلى الأولى من 1956- 1969م والفترة الثانية من 1970 – 1980م، الفترة الثالثة 1981- 1985م، الفترة الرابعة 1986 إلى 2007م وهي الفترة التي شهدت تغيير العملة لثلاث مرات وفي هذه الفترة أستبدل الجنيه بمسمى الدينار ثم العودة إلى مسمى الجنيه بعد اتفاقية السلام الشامل مع الجنوب. ثم وتبديل العملة الأخير 2011-....؟. لكن القراءة التاريخية لسياسة إصدار العملة مرت هي ذاتها بالعديد من التطورات عبر الحقب التاريخية المختلفة، منذ أن ظلت العملة المصرية هي السائدة في السودان حتى قيام لجنة العملة سنة 1956م، وقد أصدرت عملات ورقية سودانية لتحل محل العملات المتداولة المصرية والإنجليزية بواسطة لجنة العملة السودانية وهى مغطاة بمعدن الذهب والعملات الأجنبية (الجنيه الإسترليني) والسندات الحكومية وصولاً إلى اليوم. في كل مثال كان المبرر والدافع السياسي والاقتصادي مطروحاً على المائدة. بنك السودان المركزي وقد أسندت سلطاته إلى البنك الأهلي المصري عند الاستقلال، بخلاف توصية الوثيقة بأن تؤول إلى بنك باركليز (السلف الأبعد لبنك الخرطوم الحالي)، صار هو صاحب سلطة النقد المؤقتة في السودان إلى أن كونت لجنة العملة بوزارة المالية، إلى أن جاء فبراير 1960م وتم إنشاء بنك السودان بموجب قانون بنك السودان للعام 1959م كبنك مركزي آلت إليه كل مهام لجنة العملة السودانية وهى هيئة قائمه بذاتها ولها شخصيتها الاعتبارية وأعطى الحق الأوحد في إصدار العملة بشقيها الورقي والمعدني، بجانب حق التخزين والتوزيع للعملات وإبادة العملات التالفة وغير الصالحة للتداول مع العمل على إعداد الدراسات المطلوبة في مجال تطوير العمل وتجويده. محدثنا الخبير المصرفي عندما سألناه عن رأيه في (موضوع العملة وتبدلها على مر الزمان) قال بأن "للعملة قصة مع السودان فأول عملة سودانية تم حرقها وفي المظاهرات هتف الناس (حريق العملة حريق للشعب) وقيل تندراً (الرماد كال حماد) في إشارة إلى وزير المالية وقتها السيد حماد توفيق. وما حدث أن حزب المعارضة الرئيسي، حزب الأمة، رفض أن يوقع رئيس الوزراء الزعيم الأزهري باسمه على العملة فاستجابت الحكومة لضغط المعارضة في البرلمان وقامت بسحب توقيع رئيس الوزراء واستبداله بتوقيع وزير المالية. وتجد أن العملة الأمريكية الدولار عليها توقيع وكيل وزارة الخزانة وتوقيع مستشار بنك الاحتياط الفيدرالي وهو البنك المركزي الأمريكي فيما الريال السعودي عليه توقيع وزير المالية وتوقيع محافظ المصرف السعودي المركزي، والعملتان محترمتان وتوقيع رئيس الوزراء لم يكن سبباً لسحب العملة واستبدالها بأخرى ولكن هي عوامل السياسة التي طغت وقتها ولعلها قد طغت الآن". انتهى حديث محدثنا ويبقى السؤال مشرعاً هل يمكن أن نقرر بأن الطرفين الشمال والجنوب خسرا في ظل عدم التعاون بينهما في موضوع العملة كما كان متفقٌ عليه؟. الحقيقة أن كل من استندنا إلى أقوالهم فيما سبق أجابوا بالإيجاب، لكن أبلغ هذه الأقوال كان قول د. عبد الرحيم حمدي الذي مضى مقرراً بكل وضوح بأن "خسر الطرفان، الشمال والجنوب، خسرا التعامل التجاري والنقدي، فالتبادل التجاري هو تبادل للمنافع، السياسيات النقدية، الجمركية، التسهيلات التجارية، وهي خسارة للشمال لا تقتصر على فقدان الكتلة النقدية في الجنوب ولكن التعامل مع الجنوب تحت ظلال من الشك وهو ما يقلل من فرص التعاون المستقبلي". المستقبل وهو عين ما يجب الالتفات إليه عند النظر إلى قضايا إستراتيجية كالاقتصاد والتعامل الاقتصادي بين السودان وجيرانه وأولهم الجار الجنب صاحب حقوق الانتفاع والارتفاق والمرور والسقاية وغيرها من حقوق الاتصال وفقا للمذهب الشرعي المعروف، يحتاج إلى الكثير لعمله، حتى لا نفاجأ بعملة أخرى في وقت قريب مقبل.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.