نجاح قوات حركة طالبان في اسقاط مروحية امريكية وقتل 31 جنديا امريكيا كانوا على متنها امر على درجة كبيرة من الاهمية لعدة اسباب ابرزها ان 22 جنديا من بين هؤلاء ينتمون الى الوحدة التي نفذت عملية اغتيال الشيخ اسامة بن لادن زعيم تنظيم 'القاعدة' في مدينة ابوت اباد الباكستانية قبل بضعة اشهر، ولان عملية الاسقاط هذه لم تتم من خلال صاروخ حديث ومتطور وانما بصاروخ 'آر.بي.جي' الرخيص المخصص اساسا للدروع. السلطات الامريكية تلكأت في بداية الامر بالاعتراف بحركة طالبان في تحقيق هذا الانجاز الكبير، واوحت ان السبب قد يكون عطلا فنيا، او نيرانا صديقة، ولكنها اضطرت للتسليم بانها، اي الطائرة العمودية من طراز شينوك العملاقة، سقطت بنيران معادية. من الطبيعي ان تحتفل حركة طالبان بهذا الانتصار، وان يكون لهذا الانتصار طعم خاص، بعد ان تبين ان معظم القتلى من الوحدة التي تولت مسؤولية تصفية زعيم تنظيم 'القاعدة' الحليف الاوثق لها، وهي التي توعدت في بيان لها بالانتقام لمقتله بطريقة مميزة. وكان لافتا ان معركة شرسة اندلعت في اقليم واردوك وسط شرق افغانستان حيث اسقطت الطائرة بعد محاولة القوات الامريكية استعادة حطامها وجثث الضحايا، وما زال من غير المعروف ما اذا كان قد سقط ضحايا آخرون في صفوف القوات الامريكية المغيرة ام لا، ولكن ما هو معروف ان اربعة جنود من قوات حلف الناتو قتلوا بالامس ايضا بينهم جنديان فرنسيان الامر الذي يعكس الحالة المزرية لهذه القوات في هذا البلد المضطرب. ارتفاع اعداد ضحايا قوات الناتو، والامريكان منهم على وجه الخصوص، لا يعود فقط الى تعاظم هجمات المقاومة الطالبانية بمناسبة شهر رمضان الكريم فقط، وانما بسبب الهبوط الملحوظ في معنويات الجنود بعد اعلان الرئيس باراك اوباما عن نواياه بسحب القوات الامريكية بداية من منتصف العام المقبل، وفتح قنوات حوار مع حركة 'طالبان' من اجل اشراكها في حكم البلاد. الامر المؤكد ان رجال تنظيم 'القاعدة' وانصاره في مختلف انحاء العالم سيرون في اسقاط هذه الطائرة وفي هذا الشهر الفضيل، انتقاما الهيا لزعيمهم، وقصاصا يرون انه عادل من هذه الوحدة التي اقدمت على اغتياله وسط اطفاله وزوجاته ومن ثم القذف بجثمانه في بحر العرب خوفا من ان يتحول قبره الى مزار لانصاره ومريديه. فقد امتلأت المواقع الاسلامية المتعاطفة مع التنظيم وزعيمه بالعديد من المقالات والتعليقات التي تؤكد على هذه الحقيقة. فاغتيال زعيم القاعدة وبالطريقة التي تمت بها وفق الرواية الامريكية، اثار حالة من الاحباط في صفوف هؤلاء، واصدر الدكتور ايمن الظواهري الرئيس الجديد للتنظيم رسالة تهديد توعد فيها بانتقام كبير، ومن المستبعد ان يكون انتقامه اكبر من هذا الانتقام الذي حققته حركة طالبان عندما قتلت هذا العدد الكبير من العسكريين من اكثر الوحدات الامريكية خصوصية ونخبوية. ما يحير الكثيرين ان حركة طالبان 'المتخلفة' والمفلسة ماليا، استطاعت اسقاط العديد من الطائرات الامريكية فوق الارض الافغانية بوسائلها الدفاعية البدائية بينما عجزت دول عديدة انفقت المليارات من الدولارات على شراء اسلحة ومعدات دفاعية مكلفة ومتقدمة عن اسقاط طائرة امريكية او اسرائيلية واحدة، ونحن نتحدث هنا عن دولتين بالذات هما ليبيا وسورية. فالاولى تسرح وتمرح طائرات حلف الناتو في اجوائها طوال الاشهر الخمسة الماضية دون ان يعترضها احد، والثانية اغارت الطائرات الاسرائيلية على اراضيها اكثر من مرة، آخرها اثناء تدمير المفاعل النووي المزعوم في دير الزور دون ان تلتقطها اجهزة الرادار السورية ناهيك عن اسقاط اي منها. امريكا تعيش هزيمة كبرى لقواتها ومشاريعها في افغانستان بعد عشر سنوات من احتلالها لهذا البلد، ولم ينجح وجود مئة الف جندي من قواتها، وخسارة سبعة مليارات دولار شهريا في تغيير هذه الحقيقة بفضل اصرار حركة طالبان على تحرير اراضيها من قوى الاحتلال. المصدر: القدس العربي 8/8/2011